samedi 21 mars 2015

أنا مضرب إدن أنا موجود




   بقلم : حسن رزق الله

      سألني أحدهم لماذا أنا مضرب فأجبته بكل عفوية وبدون تفكير ، ولماذا لا أضرب ،غير أنني بعدها تمعنت في جوابي البسيط ، فأدركت أنني كنت على صواب ، وأن واقعي الحالي يجعلني أكتر من أي وقت مضى أفكر في الاضراب وفي الاستنكار والتنديد  لا لشيء إلا لكوني لا أريد ان أستبد من البعض وأن يسجل علي التاريخ خنوعي وخضوعي المهين للإملاءات مخزنية، أرادت دوما أن ترسم لنا خريطة طريقنا وأن تحدد مع من وكيف وكم سنعيش، وهي أمور ترسم للقطيع وليس لناس ولدوا أحرارا ليعيشوا ويموتوا أحرارا، وهي الفكرة التي على المواطن أن يفهمها ويستوعبها ويناضل من أجلها ضد كل المحاولات التي تصر على خندقته في خانة القطيع، وهنا تحضرني قولة للمفكر الفرنسي لابويسيه في حديثه عن الاستبداد وعن العبودية المختارة حين أكد على أن الاستبداد أساسه ليس بالضرورة قوة وعظمة المستبد،  بقدر ما ربط تلك القوة باستعداد الشعب للخضوع، حين اختار التنازل عن حريته لفائدة الطرف الأول وقبل بواقع الخضوع والخنوع على الحرية ورفض الهيمنة، محاولا الاجابة عن اشكالية ظلت تؤرق الانسانية لحد الساعة حول السبب الذي يدفع الشعوب الى القبول بواقع أن تكون منهوبة ومظلومة، نافيا أن يكون السبب وراء ذلك هو الخوف، بقدر ما هو في نظري فشل المواطن في ايجاد ذاته لحد الان داخل وسط تم تأتيت ديكوره من قبل نخبة أعطت لنفسها حق  التحليل والتقدير والتقرير لمن تعتبره ببساطة من القطيع، بدعوى أن هذا الاخير لا يميلك خيارات اخرى، لافتقاده لحس الإختيار،  وهو الأمر الذي تحاول هذه الحكومة بشكل مبالغ فيه تسويقه للعموم، وما تصورها لإشكالية التقاعد إلا صورة مصغرة عن الأخطاء المتوالية التي تقترفها في حق مواطني هذا البلد وقصورها بالتالي عن ايجاد الوصفة السحرية التي سبق أن وعدت بها لمواجهة مخلفات حكومات سابقة، رغم حصول مكوناتها على دعم داخلي وخارجي واسع أملته بالضرورة  تحولات الربيع العربي، والعجز عن إبراز ارادة سياسية حقيقية قادرة على انتاج تصور سياسي يحمل مشروعا مجتمعيا متكاملا يخدم بالأساس الواقع المجتمعي الحالي الذي استمدوا منه  قوتهم السياسية، وليس العمل على الاجهاز على مكتسبات سابقة سالت دماء وسلبت حريات من أجل انتزاعها، و..... المهم لا أريد للساني أن يسترسل كثيرا على اعتبار أن واقعنا المعاش مليئ بصور عديدة لأشكال لا تليق بمجتمع حضاري متمدن ، لكنني حاولت اجابة سائلي عن سبب اضرابي لا غير والسلام.

mercredi 19 novembre 2014

jeudi 30 octobre 2014

ما تقيش حقي في تقاعدي


حسن رزق الله 

نظمت مؤخرا بمدينة أكادير، إحدى الندوات التنويرية في موضوع حكامة نظام التقاعد،  والتي جاءت بمبادرة من إحدى التنظيمات الحزبية في إطار ممارستها لواجبها التأطيري للمواطن المغربي، بعد أن كثر الحديث عن الخطوة التي تنوي الحكومة الحالية تنفيذها بإعادة النظر في نظام التقاعد المعمول به وهيكلته من جديد،  عبر إثقال كاهل المواطن المغربي بالعديد من الاقتطاعات،  كحل ترقيعي لمشكلة الخصاص الذي بدأت تعرفه صناديق التقاعد دون أن تكلف نفسها عناء البحت عن حلول جذرية تحمل مشروعا إصلاحيا على المدى المتوسط والبعيد، رغم أن المسؤولية بالكامل في إفراغ تلك الصناديق تتحملها بالضرورة السياسة الحكومية المتبعة طوال عقود خلت، وليس المواطن الموظف المغلوب على أمره،  الذي كان ﹸيضطر إلى الاقتطاع من أجرته الهزيلة أصلا للمساهمة في ضخ الأموال المطلوبة لإنعاش تلك الصناديق أملا في ضمان تقاعد مريح حينما يحين الأوان، غير أن تلك النية البسيطة والمواطنة لم تكن تسايرها سياسات الحكومة المتبعة في السابق، حيت تراجعت عن الالتزام بتعهداتها ولم تكن تؤدي حصتها في تلك الصناديق،  مما سبب عجزا واضحا كان من الطبيعي معه البحت عن كيفية تصحيح ذلك الاختلال، غير أن مسؤولينا بطبيعة الحال اختاروا الحل الأبسط والأسهل أو كما يقال بعاميتنا (الحيط القصير) وذلك بالتبشير بإعادة النظر في سياسة التقاعد    وهيكلتها من جديد، عبر إثقال جيوب المواطن بالعديد من الاقتطاعات مع سحب العديد من الامتيازات التي سبق أن ناضل من أجلها،  وخاصة الرفع من سن التقاعد لتصبح مسألة الاستفادة من التقاعد لذوي الحقوق فقط،  بحيث يكون المعني بالأمر حينها قد غادر إلى دار البقاء،  رغم أن الأعمار بيد الله، غير انه لا يجب تغييب تلك الحقيقة،  فطعم التقاعد يكون في الخمس سنوات الأولى من التقاعد، والغريب في كل ماذكر،  أن المواطن باعتباره المعني بإشكالية التقاعد،  آخر من يعلم بما يدور في فلكه،  وتلك هي الطامة الكبرى، على اعتبار أن صفته المهنية كموظف أو مستخدم  تحتم عليه  أن يكون ذي ثقافة  قانونية  تشريعية أو تنظيمية وعلى اطلاع بكل ما يستهدفه من مراجعات أو تعديلات قانونية يكون لها اثر مباشر على وضعه الوظيفي وعلى حقوقه المكتسبة سواء خلال ممارسته المهنية أو  إحالته على التقاعد،  مما يمكنه من التجاوب الايجابي أو السلبي مع تلك التعديلات ويمارسه حقا من حقوقه المكفولة دستوريا، ويحول في نفس الوقت دون الاستعمال التعسفي للسلطة من الجهات المعنية،  وقبول هذه الأخيرة بكون المواطن شريك حقيقي وأساسي في ممارسة السلطة  وتصريف الأمور،  توجب استشارته في كل مناسبة، وليس اعتباره فقط كورقة انتخابية يتم التخلص منها مباشرة بعد استهلاكها. 

dimanche 4 mai 2014

من ينقد جيلنا السياسي من اليأس؟


 بقلم ذ حسن رزق الله

        ما يقع حاليا داخل صفوف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، يجعلني أتذكر قولة جميلة  للمفكر الكبير سي محمد عابد الجابري حيت قال ( الامتزاج بل الاندماج بين الوطنية والسياسة في وعيي، هو ما يفسر في نظري على الأقل، جوانب كثيرة من سلوكي الحزبي ومواقفي السياسية، ومن دون تواضع زائف أستطيع أن أؤكد أنني أقبل من نفسي الخطأ وجميع أنواع الضعف البشري في الميدان السياسي أو غيره،ولكنني لا أتصور أني أستطيع أن أسلك أي سلوك انتهازي كيفما كان.) 
         إن  أهم ما نستشفه من كلام المفكر المغربي  العربي الكبير هو انه ترك خريطة طريق قد تعتمدها الأحزاب السياسية المغربية إن هي أرادت الخروج من النفق المظلم  الذي لازالت تتخبط فيه دون أن تستهدي إلى السبيل الذي سيمكنها من مسايرة الركب ٬  ولما لا الخروج إلى العالمية لمقارعة الأحزاب ذات الصيت الكبير والمتحكمة في زمام الأمور عالميا.                                           
       و في قراءة متأملة لما جاء في كلام سي عابد نجد انه أشار إلى الازدواجية التي يجب أن تحكم السياسي المتحزب وذلك من خلال تأكيده على مفهوم الوطنية كدعامة حقيقية لكل عمل سياسي جاد  .
        والحقيقة أن مشكلة الديمقراطية الحزبية في المغرب أصبحت هما يجب طرحه بشكل واقعي، وهو ما نجده جليا لدي القيادة الحالية لحزب الاتحاد الاشتراكي، والتي اختارت تبني مفهوم الإقصاء الكلي لكل صوت معارض لا يتماشى مع سياستها، مما جعلها تفشل تماما في لم شتات هذا الحزب العتيد ، متناسية انه حزب ولد من رحم معارضة تتبنى أصلا سياسة متمردة، لا يمكن إخضاعها بسهولة، خاصة بعد إصرار تلك القيادة  على الانحياز لطرف على حساب آخر، وتحويل الحزب إلى مجرد أرقام ومقاعد نيابية، رغم انه ارفع من ذلك بكثير، كما أن شخصنة الحزب بهذا الشكل يذكرنا بأحزاب شخصية أو عائلية خلقت كنوع من البرستيج السياسي وليس ضرورة سياسية أملتها ظروف وتحولات سياسية وطنية أو دولية،  متجاهلة  أن ذلك الحزب العتيد كان ينعت بالجماهيري، لا لشيء إلا لكونه ملك لكل المغاربة، تعلم العديد من أبناؤه السياسة من مدرسته، كما  ساهم في بنائه  اغلب المغاربة بدمائهم وحريتهم ووقتهم،  وذلك لما كان يمثله من أمل في التغيير  والانفتاح على عالم ينعمون فيه بنوع من الحرية السياسية والفكرية بعد أن كانوا يسمعون أو يقرؤون عنها فقط لدى الغير، مما جعله عرضة لتوالي الضربات عليه سواء من مختلف الجهات، وعلى طول مساره التاريخي، غير أنه ، وان ظل يصارع كل القوى الخارجية من اجل الصمود والبقاء ، غير انه ما كان ينتظر إن تأتيه الضربة القاضية من عقر داره ، ومن أبناؤه الشرعيين، والذين بتصرفاتهم هذه يصرون على وضع أخر مسمار في نعش ذلك الحزب، و العبث بما بتاريخه و ارثه، 
      وكإبن بار لذلك الحزب العتيد، ترعرع بين أحضانه وتعلم الروس الأولى في السياسة من مدرسته، يحق لي بعدها أن أوجه رجاءا إلى تلك القيادة الجديدة للحزب ولكل من سولت له نفسه العبث به، أقول لهم ارحموا حزبا كان يوما ما لسان اغلب المغاربة،  وكان  اكبر وأقوى حزب في المغرب وكذا في المنطقة العربية أملا لكل المغاربة، ارحموا دماء أريقت في سبيله ، وحريات سلبت من أجله، وارحموا نفوسا شردت إكراما له، واحفظوا أمانة تركت في أعناقكم..... فقيمة الاتحاد أرفع بكثير من أي سلوك انتهازي  قد يمسها .... ، 


mercredi 1 janvier 2014

dimanche 29 décembre 2013


كل عام واطفالنا بخير


بقلم : حسن رزق الله

       توالي حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال والتي أصبحت تشهدها بعض المناطق بالمغرب ، يجعلنا مجبرين على دق ناقوس الخطر حول ظاهرة جديدة وغريبة عن مجتمعنا ، وهي ظاهرة الاستغلال الجنسي للطفل، ربما تكون لها جذور قديمة بحيث كانت تعرف بها مناطق دون الأخرى ،  غير أن ذلك لم يكن يتعدى حالات متفرقة  بين الفينة والأخرى، و ليس بالشكل الذي نراه الآن، وأصبحت أخبار الاعتداءات المتكررة على الأطفال تغزو الصفحات الأولى للجرائد المكتوبة منها أو المسموعة وخاصة الالكترونية، لتشكل بدورها مشكلا بدأ يؤرق بال المواطنين وهم يرون فلذات أكبادهم عرضة لاستغلال  جنسي بشع ، و الذي لا يمكن تفسيره سوى بكونه يدخل في إطار السلوك المرضي لبعض الأفراد  و الذي  يصل ذروته في حالات الأصول  كما هو الشأن بالنسبة لحالة الاعتداء الأخيرة التي عرفتها منطقة تارودانت والتي ذهب ضحيتها طفل اغتصب في شرفه و حياته من قبل من يفترض فيه حمايته من الآخرين.
         ما معنى أن يصادق المغرب على مختلف الاتفاقيات الدولية الرامية إلى حماية الأطفال، دون الاهتمام بمعالجة بعض الأمراض الغريبة التي تسكن بعض الأفراد المتجردين من كل انسانية، ذلك أن جريمة من هذا القبيل والتي تعد اغتصابا حقيقيا مادامت تشكل اعتداء على عرض الإنسان،  والآثار النفسية الوخيمة على النمو الطبيعي للطفل، حيث تلازمه تلك الحوادث طوال عمره، حيث ينمو  الضحية على الخوف و القلق و الكوابيس الليلية و الميل نحو الانطوائية            والاكتئاب، هذا بالإضافة إلى توالد الشعور لديه بعدم الثقة في ذويه خاصة إذا كان الاعتداء من أقاربه أو من أصوله، والتفكير في الانتقام، مما تعرض له من اعتداء في طفولته، حيت يلجأ فيما بعد إلى ممارسة الانحراف الجنسي أو الدعارة بجميع أشكالها.
        هي ادن،  انعكاسات سلبية  لجريمة لم يغفلها التشريع المغربي،  ذلك أن  قراءة سريعة للتشريع المغربي، يجعلنا نكتشف،  أن  بلادنا تزخر ولله الحمد،  بالعديد من النصوص القانونية المتعلقة بالأطفال، غير  أن تفعيلها وتحيينها لتتلاءم مع المستجدات التشريعية هو لب ما نصبو إليه ، دون أن ننسى  أهمية التأطير القانوني لمختلف المتدخلين في مجال الطفولة للوصول إلى تربية الطفل الذي ننشدها، والمرتكزة بالأساس على تمكينه من استيعاب الخدمات التي وفرها له المجتمع  لأجل تحمله مسؤولية الحفاظ عليه،   ذلك أن المجتمع  كلما اعدد هؤلاء الأطفال إعدادا جيدا كانوا خير دعامة له.

      فلا يكفي فقط أن نحتفل بعيد عالمي سنوي للطفل،  نرسخه لتقييم ما قدمناه للطفل في بلادنا كما هو الأمر بالنسبة للعديد من البلدان التي تعتبر الطفل رأسمالها الحقيقي وعمادها الحقيقي، أو الحديت عن خطة إستراتيجية اعتمدناها للتعبير نحن أيضا عن اهتمامنا بذلك الطفل،  بقدر ما يجب استغلال تلك المناسبة لدق ناقوس الخطر حول تنامي ظواهر الاعتداء الجنسي على ذلك الطفل،  والتفكير بشكل جدي في حمايته وتمكينه من استيعاب الخدمات التي وفرها له المجتمع لأجل تحمله هو الأخر مسؤولية الحفاظ عليه، ذلك أن المجتمع كلما أعد هؤلاء الأطفال إعدادا جيدا كانوا خير دعامة له فيما بعد

jeudi 5 septembre 2013

دليل جرائم حماية المستهلك
تــاريـخ النــشر : 2012/11/05 | مصنفة في ثقافة و فن | لا تعليقات
أصدر الأستاذان حسن رزق الله وعبد العالي الدليمي “دليل جرائم حماية المستهلك” وهو جرد بأهم المتابعات المضمنة بالقانون رقم 31.08 المنفذ بالظهير الشريف 1.11.03 الصادر في 18 فبراير2011 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5932 بتاريخ 07 أبريل 2011

vendredi 30 août 2013

الاستغلال الجنسي للطفل , ظاهرة تنتشر في صمت

 بقلم : حسن رزق الله
خلال تصفحي لإحدى المواقع الإلكترونية،  اطلعت على خبر حول قيام جمعية “ماتقيش ولدي” باستحسان مبادرة تخصيص أئمة المساجد في مختلف مناطق المغرب،  لخطبة الجمعة الأخيرة لموضوع الاعتداء الجنسي على الأطفال، ومغبة ذلك على الطبيعة السوية للمجتمع،  حيث كان لها وقع على نفوس المواطنين بمختلف أعمارهم، وذلك لما يكتسيه الموضوع من أهمية، وكذا لتذكير الناس ووعظهم الموعظة الحسنة.
    وهو الأمر الذي جعلني أتذكر تقريرا سابقا للخارجية الأمريكية،  كان قد صنف المغرب كبلد منتج ومولد لظاهرة استغلال الأطفال من أجل غايات مالية سواء في خدمة البيوت أو في الجنس. تأسفت معه على الحالة التي وصلت إليه بلادنا، بشكل يبعدها كل البعد عن ما تعنيه المدنية  من معنى،بحيث أضحى مشهد مصاحبة أحد الأطفال لرجل في عمر متقدم أمرا مألوف خاصة في المدن السياحية كمراكش وأكادير ، سواء  داخل العلب والحانات الليلية التي لا تهتم في العديد من الأحيان بعمر مرتاديها، او خارجها، هذا دون ان ننسى مختلف جرائم الاعتداء الجنسي التي يتعرض لها الاطفال التي تتصدرها مختلف الوسائل الاعلامية الوطنية،  بحيت لا يمر أسبوع دون أن تستيقظ على وقوع هذا النوع من الاعتداء والاستغلال الجنسي، والذي رغم خطورته،   لازالنا لا نلمس تفعيل إجراءات مناسبة للحد من تفشيه،  إذ لا توجد إلى حدود الان إستراتيجية عامة وشاملة توحد بين مختلف القطاعات وتمد الجسور مع المنظمات والجمعيات ذات الإختصاص، بالإضافة الى انعدام الإمكانيات والوسائل الكفيلة بمكافحة الظاهرة على حد تعبير فعاليات المجتمع المدني  المهتمة والتي توضح باستمرار على دور السلطات في ملائمة قوانينها الوطنية مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الطفل والبروتوكولات الاختيارية ذات الصلة.
وتتفق العديد من الجمعيات المهتمة بالموضوع على أن الفقر الواسع  يشكل أهم الأسباب المؤدية  إلى تفشي تلك الظاهرة، بالإضافة الى تفكك الأسر وضعف التشريع وسياسات الوقاية العمومية،  وعدم وعي الطفل، وانعدام ثقافة حقوق الطفل لدى مختلف الفاعلين بما فيهم المشرع والأجهزة التنفيذية،  كما يزيد في اتساعها، بروز “السياحة الجنسية”.
ولفهم وضبط دوافع انتشار الظاهرة لا بد من الوقوف عند بعض الاكراهات التي تطبع التعامل القضائي معها،  والتي سبق رصدها من لدن هيئات المجتمع المدني،  نجمل بعضها في مايلي :
* يجري البحث التمهيدي بالمراكز العادية للشرطة القضائية، حيث يجري البحث مع الرشداء ومن طرف ضباط للشرطة القضائية غير مختصين في مجال الأطفال الضحايا مع بطء وتعثر إجراءات البحث، مما يجعل الطفل يتحدث بصعوبة عن تفاصيل الاعتداء وشروطه.
*عدم دقة التكييف القانوني للأفعال المتعلقة بالاعتداءات الجنسية وغموض المتابعة، وإحالتها من لدن النيابة العامة كغيرها من الملفات العادية.
* لا تسمح شروط الجلسة وضغط باقي الملفات على بحث واستماع كاملين للطفل الضحية، خلال مختلف أطوار التقاضي، بالإضافة الى ضعف بحث وتحليل الشواهد الطبية والاستعانة بخبراء.
 بغض النظر عن الأحكام الصادرة فيما يتعلق بالإدانة يبقى مفهوم المصلحة المدنية للطفل الضحية غامضا و لا يمتد إلى ما بعد الضرر والتأهيل.
* تدخل الوساطات لفض النزاع أو محاولة طمسه وقبول الأولياء ذلك، حفاظا على السمعة.
* يتم تحريك المساطر القضائية في أغلب الحالات بفعل شجاعة أولياء الضحايا وبالنظر إلى المقتضيات القانونية التي لا زالت تميز بين الاعتداء بعنف أو بدون عنف، كما يتعذر عدم مواصلتها بالنسبة للبعض لارتفاع تكلفة الرسم القضائي خاصة في الجنايات.
* يعيش أولياء الضحايا وبصفة خاصة، الأمهات اضطرابات معنوية قاسية للغاية، كما يعيش إخوة الضحية الصغار حالات ذهول مثيرة ، كما أن الذهاب الى إلى مركز الشرطة وولوج ردهات المحاكم، يخلق اضطرابات بالنسبة للأطفال ويفاقم من معاناتهم.
 * غياب آليات للتدخل المستعجل خاصة في الوقت الذي لا يبادر الأولياء في تقديم شكاية، مع  رفض بعض الهيئات القضائية لصفة المطالبة بالحق المدني للجمعيات غير الحكومية.
* غياب التعليل بخصوص أغلب الأحكام والقرارات القاضية بالبراءة.
أما الاكراهات السوسيولوجية فيمكن ذكر بعضها :
* اختلاف مفاهيم التربية والمعاملة في الأسرة الشارع، المدرسة، مؤسسات العمل، مراكز الملاحظة والسجون.
* الآثار الناجمة عن تفكك الأسرة، وغياب آليات الحماية الاجتماعية وآثارها على الأبناء وتفاقم ظاهرة المخدرات
* شخصية المعتدي بصفته ضحية سابق لنفس الاعتداء وعدم العناية بضحايا الظاهرة
* ضعف برامج التوعية والتحسيس وإعادة التكوين
* غياب أنظمة للملاحظة والتقويم وإعادة التأهيل والمراقبة في المراكز.
* مراكز الحماية والاستقبال: عالم مغلق ومنعزل عن محيطه، الى جانب ضعف التأطير والتكوين لدى المشرفين وضعف آليات الملاحظة والمراقبة والحماية الطبية والنفسية.
وعموما يمكن القول على أن مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة التي تتهدد الأطفال والقاصرين، مسؤولية جماعية تتقاسمها الدولة بمختلف مؤسساتها والمجتمع المدني والأسرة؛  من مكافحة الفقر وإحداث البنيات الاجتماعية والتربوية الأساسية في المدن والقرى والتأهيل الاقتصادي للأسر المعوزة التي تنتشر في الضواحي خصوصا مع تعقد الحياة المعيشية في الآونة الأخيرة، بالإضافة الى ضرورة العمل على توعية تلك الأسر، على ضرورة الاهتمام بالرأسمال الحقيقي لها والمتمثل في التركيز على رعاية ابنائهم وتعليمهم، عوض العمل على تفريخهم و اغراق المجتمع بظواهر هي في غنى عنها. كما أن مواجهتها أيضا، تتطلب تفعيل العقوبات الزجرية في القانون الجنائي المغربي عبر مجموعة من الضوابط الصارمة،  وبلورة جهود فعالة من خلال إحداث مراكز لمساعدة الضحايا على تجاوز معاناتهم وعلى الاندماج في المجتمع،  وبلورة برامج للتوعية والتحسيس بمخاطر الظاهرة بمختلف أبعادها النفسية والتربوية والاجتماعية وتبنيها بشكل فعال عبر قانون حقيقي،  يتلاءم والالتزام بالاتفاقيات الدولية في المجال.
“.


الى أين تسير الثورة المصرية

بقلم :  حسن رزق الله

لازالت السياسة كمفهوم، بعيدة عن الفهم ومستعصية عن الإستيعاب، ولعل ما أفرزته الانتخابات المصرية في دورها الأول لدليل صارخ عن فهمنا الضيق للسياسة وعدم مسايرة  رغبة الجيل الجديد في رسم خريطة طريق تمكن من اللحاق بركب الديمقراطيات العالمية.
 فكيف يمكن لشعب ضاق الامرين في عهد الرئيس المصري السابق و خرج عن بكرة أبيه الى ميدان التحرير ليبلغ صرخته التي بقيت حبيسة الحناجر بسبب سياسة القمع التي مورست عليه طوال عقود من الزمن  أن يعيد من سبق أن لفظته الثورة الى واجهة الأحداث،  ليتحكم من جديد في رقابهم.
- من المسؤول ادن عن تأهيل بعض العناصر المحسوبة على النظام السابق سياسيا وإعادتها لاعتماد أسلوب المشاكسة و التربص بالأغلبية الحاكمة.
- لماذا يصر البعض على عدم استيعاب الحركية التي يعرفها الشارع العربي بل الدولي من خلال جر البلاد الى الوراء،  سواء بخلق الفتن الطائفية أو شراء الذمم أو الترخيص من قيمة الثورة المصرية  وقدرتها على الاستجابة الى مطالب الغلابة.
- لماذا يعتقد البعض أن الشعوب لا زالت قاصرة عن اختيار وسائل لتحقيق العيش بكرامة.
- لماذا لا تعطى الفرصة الكاملة للفائزين بثقة الشعب لإدارة مرحلة ما بعد الثورة . فبناء دولة مؤسسات ليس بأمر يتحقق بين عشية وأخرى، هناك قواعد تحترم ومساطر تنجز من قبل أجهزة منتخبة لهذه الغاية،  كما أن الرقابة الشعبية لها،  قد أنيطت الى مؤسسات تمثيلية بحكم التفويض الشعبي لها كالمؤسسة التشريعية أو البرلمانية.
- لست بالضرورة حاملا لفكر الاخوان المسلمين حتى أدافع عن ضرورة ترك الفرصة لهم لقيادة مرحلة ما بعد الثورة، مادام الشعب قد أوكلهم تلك المهمة ، لأن في ذلك احترام للإرادة الشعبية وعبرها احترام للشرعية وإرساء بناء الديموقراطية التي ينشدها الكل. وبالتالي لا يحق  للبعض  العمل على خلق خصوصية مصرية في تدبير الشأن السياسي، عبر اختصار مدة حكم طرف معين بغض النظر عن لونه السياسي، سبق أن فاز بثقة المواطن المصري،  حيث أوكله مهمة تدبير شأنه الداخلي لمدة محددة مسبقا وفق الوثيقة الدستورية . لماذا يعد البعض أنفاس هذه الحكومة الفتية، ويستنكر عليها قراراتها رغم أنها صلب الميثاق الرابط بينهما، وهم الذين تركوا الحبل كلية للنظام السابق يعيث في الأرض فسادا حتى وصل السيل الزبى، وآلت الامور الى ما آلت اليه.
- منذ متى كانت المؤسسة العسكرية تؤدي دور التحكيم بين الفرقاء السياسين في حالة وجود أزمة سياسية بين طرفين مدنيين يشاركان بشكل فعلي في تسيير وتدبير الشأن السياسي، والحال أنه وفق معلوماتي المتواضعة  في المجال السياسي والدستوري ، أنها مؤسسة تنفيذية تشتغل  داخل اطار معين ولأهداف معينة ووفق قرارات سياسية تصدرها سلطة مدنية في الغالب، وهي مهمة تشتركها تلك المؤسسة في الديمقراطيات المعروفة في العالم،و اشتغالها بمهام اخرى ذات طبيعة مدنية قد يحيدها عن دورها الأساسي.
- ربما يكون  الخوف من عودة النظام الديكتاتوري السابق من جديد ، هاجسا لازال يهيمن على مخيلة المواطن المصري ، والذي يستغله البعض من أجل فرض أجندة معينة، وهو ما يفسر تلك الحساسية التي يتعامل معها المواطن المصري مع مختلف تحركات الحكومة الاخوانية وخاصة مع  قرارات الرئيس مرسي، وتفاعله الشديد معها ، والذي رغم أنه دور طبيعي له في مراقبة عمل السلطة السياسية في تنفيذ التزاماتها، غير أن سوء استعمال أشكال تلك المراقبة، قد يحول دون الاستمرار في اصلاح أوراش ما بعد الثورة و يفقدها بريقها.
- أنا مع حق الشعوب في اختيار حكامها، ولكن بطرق مشروعة دستوريا كما هو متعارف عليها دوليا، وأن الاحتجاج والتظاهر شكل من أشكال تلك المراقبة الشعبية ، غير اللجوء اليها بشكل متواصل لتغيير السلطة ، قد يجعلها عرفا وتقليدا يعوض قواعد دستوريا جادت بها علينا ديمقراطيات راسخة. ويدخل البلاد في دوامة قد لا تعرف سبيلا للخروج منها.


حول ضرورة تحديث الطقوس المصاحبة لحفل الولاء بالمغرب


      بقلم:  حسن رزق الله
  خلال تصفحي لصفحتي بالموقع الاجتماعي الفايسبوك،   أثار انتباهي قيام ناشطون مغاربة بالمطالبة بإلغاء الطقوس التي ترافق حفل الولاء، وهو حفل يجري كل سنة لتجديد البيعة للملك محمد السادس واصفين إياها بالمهينة، قائلين إنها تنتمي لملكيات العصور الوسطى. وهو ما جعلني أفكر قليلا في موضوع البيعة التي لازال يتميز بها المغرب دون غيره، وحرصه على عدم تفويت التذكير بها، كلما حلت مناسبة ذلك.
  في البداية لا بد الإشارة إلى أن الله  قد عظم من شأن البيعة وحذر من نكثها في قوله تعالى مخاطبا نبيه إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا. و هي بذلك ميثاق سياسي وقانوني يجمع بين أمير المؤمنين والأمة، ويرتب حقوقا والتزامات على الطرفين. منها حرص أطراف العقد على احترام مسطرة البيعة وبنودها لتولية السلطة، وممارسة الشورى في تدبير الشؤون العامة، وأي خلل في هذه الالتزامات يؤدي إلى المساءلة والمحاسبة. ورغم دسترة أسلوب انتقال الحكم الوراثي  في الدستور المغربي ودخول المغرب إلى المرحلة الدستورية،  إلا أنها لم تفقد قيمتها القانونية كما لم يثبت أن غابت عن عملية انتقال الحكم في المغرب،  بل ظلت تشكل الركن الأساسي لشرعيته،  ودليل ذلك أن مراسيم البيعة للملك محمد السادس تمت في نفس يوم وفاة أبيه الحسن الثاني وقبل دفنه، وقد شاركت فيها هيئة سياسية ودينية وعسكرية واسعة تمثل مختلف دواليب الحكم بالبلاد، بل وأعطيت لهذه البيعة أهمية كبيرة سواء بالطريقة التي تمت بها أو بالنسبة لأهمية العناصر المشاركة فيه .
     غير أن التسليم بالبيعة آلية وتبعاتٍ، لا يعفي من التساؤل حول سلامة الشكل الذي تؤدَّى به من الناحية الشرعية والحقوقية بما يحفظ كرامة المبايِِعين  ويؤهلهم بالتالي لممارسة حق مراجعة الحاكم أو نصيحته إذا ظهر منه ما يخالف مضمون البيعة.
      واضح من خلال حفلات الولاء التي أقيمت مؤخرا،   إصرار النظام الملكي على تجديد تلك البيعة سنويا و بالطريقة التقليدية المعروفة  لما له من وجهة نظره من دلالة رمزية على متانة الصلة بين الحاكم ومحكوميه،   حيت تتم فيه  مخاطبة الجانب الوجداني للمغاربة أكتر من أي شيء أخر على اعتبار أن مسألة البيعة قد تم الحسم فيها  مسبقا،  وهو ما يفسره احتفاظ الملك بالطقوس المصاحبة لحفلات الولاء التي أقيمت مؤخرا. ،حيت يتم استقدام آلاف المسؤولين والأعيان  للاصطفاف بجلابيبهم البيضاء في انتظار مرور الملك وهو على متن جواده، و الانحناء له بعد ذلك في مشهد قد يطرح مجموعة من التساؤلات حول صحة الاستمرار في اعتماد نفس الشكل التقليدي في الاحتفال،  كما تتم تعبئة وسائل لوجستيكية هائلة لتنظيم الحفل، ويخضع الولاة والعمال ورجال السلطة والبرلمانيون والمنتخبون ومسؤولون آخرون لمراسيم لم تتغير منذ زمن بعيد.
      وحتى لا نقف كثيرا عند هذه النقطة،  يمكن القول أنه لا ضرر في الاحتفاظ بحفل الولاء كمجرد طقس ثقافي له حمولة رمزية فقط وذلك لمخاطبته وجدان المغاربة وعاطفتهم، كما هو الشأن بالنسبة لأغلب الأنظمة الملكية في العالم الحريصة على الاحتفاظ بمجموعة من الطقوس الاحتفالية،  والعمل في نفس الاطار  على التخفيف من الطقوس المخزنية التي تتعارض مع المشروع الحداثي الذي رفعه المغرب ملكا و شعبا و تماشيا مع السبق الذي حققه المغرب إقليميا وجهويا و دوليا، وتتنافى في نفس الآن مع طابعها الرمزي المجرد. وتجعلنا في مواجهة انتقادات الصديق  وسخرية العدو،  إلى جانب انعدام الضرورة السياسية لذلك،  فشرعية النظام قائمة بدون حاجة إلى حفل الولاء، ولن تغير مراسيم الحفل بشكلها الحالي فيها شيئاً. كما أنها تتنافى مع الذوق والكرامة الإنسانية. إلى جانب أنها تسيء إلى صورة المغرب في الخارج بشكل كبير خصوصا بعد إقرار المغرب لدستور جديد.    يمكن القول إذن،  أن  الظرفية الراهنة التي يعرفها العالم عامة وخاصة العربي منه، لخير فرصة من أجل الاستمرار في تبني الحداثة بمفهومها الواسع والانسلاخ بشكل ايجابي عن كل ما من شأنه التشويش على الطريق الذي رسمناه سلفا، والذي لازال يشكك البعيد والقريب في قدرتنا على رفع ذلك التحدي والانتقال ببلدنا بأمان نحو بر الأمان الذي أضحى الكل ينشده مؤخرا.
                                                                                                                                   حسن رزق الله:  

dimanche 16 juin 2013

ظاهرة تشغيل الخادمات القاصرات بالمغرب، عبودية بصيغة الحداثة

            
   


                     ظاهرة تشغيل الخادمات القاصرات بالمغرب، عبودية بصيغة الحداثة

     بقلم :/ حسن رزق الله
 كلما تم التطرق الى حادثة وفاة الخادمة فاطيم  بعد احراقها من قبل مشغلتها بمدينة اكادير ،  إلا ويتشعب الحديت حول حول ظاهرة تشغيل الخادمات القاصرات بالمغرب التي لازال يتخبط فيها وتسيء الى سمعته الحقوقية أمام المنتظم الدولي.  لهذه الغاية  ارتأيت ان أقدم وجهي نظري كغيري في  اطار النقاش المفتوح حول  تلك الظاهرة .                                                                                                                                                     في البداية ،  يجب القول أن الله تعالى قد اهتم بالإنسان أكثر من غيره من سائر المخلوقات الاخرى وكرمه في مختلف مراحل حياته،  وعلى هذا المنوال سار ت مختلف التشريعات،  عبر اهتمامها بحمايته منذ وجوده في رحم أمه الى مرحلة رشده، ضامنة له الحماية ولأمه الحامل من الأعمال الشاقة وعدم تحميلهما ما لا طاقة لهما به.  كما انصب هذا الاهتمام على عدة مستويات ومجالات من أبرزها الجانب الحقوقي الذي يهدف الى وضع القواعد القانونية الكفيلة بضمان العناية بالطفل وكفالة حقه في الحياة وعدم الاعتداء على حقوقه المدنية اضافة الى تنظيم الالتزامات المفروضة على الافراد والمؤسسات ازاء الاطفال.                                                                                                                     كما لا يجب ان ننسى بطبيعة الحال،  التنظيم التشريعي الدقيق لوضعية الاطفال الذين لم يكتب لهم العيش في وضعية طفولة طبيعية كغيرهم. وفي هذا الصدد لابد من الاشارة الى مجموعة من النصوص التي وضعها المشرع المغربي والمنبثقة أساسا من مصادقته على مختلف الاتفاقيات الدولية المهتمة بهذا الموضوع ، حيث سعى من وراء ذلك الى اعتبار أحقية القاصر في ان يكون طرفا في الالتزامات، وهو ما أكدته بعض نصوص قانون الالتزامات والعقود المغربي، وكذا مدونة التجارة وقانون الشغل، بالإضافة الى القانون الجنائي التي يروم الى توفير الحماية الزجرية في اجبار الافراد على احترام حقوق القاصرين.                                                                                                                           مما ذكر اذن، يظهر ان المغرب اليوم يزخر بمجموعة من النصوص القانونية المتعلقة بحماية القاصرين، والتي لا تحتاج سوى الى عملية تحيين حتى تتلاءم مع المستجدات الاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها البلاد،  عبر التأطير القانوني الجيد لمختلف المتدخلين في مجال الطفولة قصد الوصول الى تنشئة طفل يستطيع عند تحمل المسؤولية أن يعي الخدمات التي وفرها له المجتمع ليعمل من جانبه على خدمة هذا المجتمع.                                                                                                                                             غير أنه وللأسف رغم كل هذه المجهودات الرامية بالأساس الى تحريم تشغيل الأطفال بشكل قطعي، إلا ان ذلك لم يمنع من تنامي تلك الظاهرة اللانسانية بصورة مكتفة داخل حواضره خاصة في المدن الكبرى كالدار البيضاء، مراكش، اكادير… وفي ظروف صعبة مقابل أجور هزيلة لا تتلائم مع الأشغال الشاقة التي يؤديها الخادمات القاصرات بالمقابل.                                                                                                                                                 ومن جانبها، لم تتناول مدونة الشغل المغربية بشكل مباشر إشكالية العمل المنزلي ، حيث لا تتمتع عاملات المنازل بالكثير من الحقوق الأساسية التي ينالها العمال الآخرون، إذ بموجب مدونة الشغل، يحصل العمال الآخرون على حد أدنى للأجر وحد أقصى لساعات العمل ويوم عطلة أسبوعيا. لهذه الغاية حاولت الحكومة الحالية اعادة النظر في مشروع قانون لتنظيم العمل المنزلي، حيث صادقت على مشروع قانون بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعمال المنزليين،  يرمي إلى ضبط العلاقات التي تربط هذه الفئة من الأجراء بمشغليهم،  من أجل إقرار حماية اجتماعية لهم وتمتيعهم بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية،  كما يحظر عموما هذا المشروع تشغيل أطفال دون سن 15 عاما في المنازل، وينص على معاقبة أي شخص يشغل طفلا تحت 15 عاما في المنزل بغرامة تتراوح بين ألف و30 ألف درهم، وغرامة تتراوح بين 25 و30 ألفا درهم على الوسطاء، أو أي شخص يشغل طفلا بين 15 و18 عاما دون تصريح من ولي أمره. وينص مشروع القانون أيضا على ظروف عمل معينة لعاملات المنازل بشكل عام، وهي سارية بالنسبة إلى الأطفال فوق 15 عاما المصرح لهم قانونا بالعمل، من قبيل ألا يزاولوا أعمالا تشمل مخاطر زائدة أو تتعدى قدرات العاملة أو تؤثر على سلوك مقبول أخلاقيا لديها، فضلا عن ضرورة توفير عقد عمل وضمان إجازة أسبوعية لمدة 24 ساعة متواصلة وإجازة سنوية مدفوعة الأجر بمعدل يوم ونصف اليوم عن كل شهر عمل، بالإضافة إلى الراحة أثناء العطل الوطنية والدينية والتوقف عن العمل في المناسبات العائلية، والتعويض في حال الفصل من العمل بعد عام على الأقل من الخدمة.                                                                                                                                            غير ان زجر هذه الظاهرة لا يتوقف فقط على الجانب القانوني ، بقدر ما يستلزم علينا التفكير فيها اجتماعيا ، وخصوا أمام طبيعة المعاملة التي تتلقاها الخادمات القاصرات الللواتي كان ذنبهن الوحيد انهن وجدن في وضعية اقتصادية واجتماعية لم يكن لهن أي دخل فيها ، ذلك أن ما تعرضت له الخادمة فاطيم لم يكن بالشيء المفاجئ،  غير أنه اعاد تفجير المسكوت عنه،  وجعلنا نقف على مجموعة من المظاهر التي تحكم هذه الظاهرة و التي سبق ان اشارت اليها العديد من تقارير المنظمات الحقوقية ، غير انه يمكن ايجازها في ما يلي  :                                                                                                                                  -  تتعرض أغلب الخادمات القاصرات لمختلف أنواع أشكال الاضطهاد النفسي وخاصة الجسدي والرمزي الذي يخلف آثارا ومعاناة نفسية صعبة ومستمرة للخادمة القاصر ، ويزداد الأمر خطورة مع وجود ثقافة اجتماعية تشرعنه وتبرره،  فعلاوة على اعتبار العقاب الموجه للخادمة القاصر وسيلة "للتربية والتهذيب وضبط الأمور،  فهو من هذا المنظور الاجتماعي التقليدي السائد حق أيضا؛ يتم التعامل من خلاله مع الخادمة القاصر كراشدة،  مما يجعلها  نتيجة لذلك مرغمة على القبول بما تتلقاه وتقر بمشروعيته، حيث يتم استعمال الضرب بالأيادي وبالأحزمة والعصي والأحذية والأنابيب البلاستيكية "التيو" في أغلب الاحيان،  وفي حالات متطرفة اعتماد الكي واحراق الاطراف كحالة الخادمة فاطيم، علاوة على السب واستعمال مختلف الشتائم والتجويع والحرمان من الراحة" إذ لم يؤدين المهام على النحو المرضي لهم أو إذا كسرن شيئا، وأحيانا أخرى على حوادث خاصة بأطفال أصحاب البيت تحت وطأة التهديد. هذا دون أن ننسى تعرض بعضهن لأنواع التحرش والعنف الجنسي من الذكور سواء من المشغلين أنفسهم أو من أبنائهم أو حتى اقاربهم.                                                                                                                                                   - تنحدر أغلبية عاملات المنازل القاصرات، من مناطق قروية فقيرة،  ينتقلن للعمل في المدن الكبرى من قبيل الدار البيضاء والرباط ومراكش وطنجة وأكادير وفاس، لتأمين دخل ثابت يكون غالبا هزيلا 400 درهم في الحالة المعروضة.  حيث يكون ذوي الخادمات القاصرات من العائلات الكبيرة عددا، ويكون فيها الاباء اميون لا يقرؤون ولا يكتبون، مما يعرضهم في الغالب للنصب و تعريض حقوق بناتهم للضياع.                                                                                                                                    –يبدأ  أغلب الخادمات القاصرات  العمل بالبيوت في سن مبكرة جدا، منذ ثماني أو تسع سنوات، حيث  لم تتجاوز الخادمة فاطيم عند وفاتها سن الخامسة عشر بعد ان استقدمت للعمل منذ ان كان عمرها بين التامنة والتاسعة .                                                                                                                                               – رغم أن مدونة الشغل تفرض 44 ساعة حدا أقصى للعمل أسبوعيا في قطاع الصناعة،  ولأنه لا يوجد حد أقصى لساعات العمل بالنسبة إلى خادمات المنازل في القانون، تصبح القاصرات تحت رحمة أصحاب العمل، إذ تبدأ أغلب العاملات العمل في ساعة مبكرة من الصباح ولا ينتهي عملهن إلا في المساء دون فرصة كافية للاستراحة، إذ غالبا ما تكون الطفلة القاصر أول من يستيقظ في الصباح وآخر من يأوي للفراش ليلا. كما أن أغلب الخادمات يعملن سبعة أيام في الأسبوع دون أيام راحة،  إذ يمكن لبعضهن أن يعملن لمدة عامين دون الحصول على يوم راحة واحد، وهي على العموم مظاهر تتم معاينتها بشكل واضح.
         وعموما يمكن القول على أن مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة التي تتهدد الأطفال والقاصرين، مسؤولية جماعية تتقاسمها الدولة بمختلف مؤسساتها والمجتمع المدني والأسرة؛ وهي تبدأ من مكافحة الفقر وإحداث البنيات الاجتماعية والتربوية الأساسية في المدن والقرى والتأهيل الاقتصادي للأسر المعوزة التي تنتشر خاصة في البوادي خصوصا مع تعقد الحياة المعيشية في الآونة الأخيرة، بالإضافة الى ضرورة العمل على توعية تلك الأسر، على ضرورة الاهتمام بالرأسمال الحقيقي لها والمتمثل في التركيز على رعاية ابنائهم وتعليمهم، كاستثمار حقيقي يستحق التضحية، عوض دفعهم الى امتهان أشغال منزلية شاقة في الغالب وفي ظروف غير ملائمة ، تؤثر بالأساس على نموهم الفيسيولوجي والنفسي في انتظار أجور هزيلة في نهاية الشهر، وبخصوص هذه النقطة يجب التذكير على ان الخادمات القاصرات لا يحصلن إلا على قسط قليل من التعليم، إذ أن أغلبهن لم يرتدن المدرسة إلا عاما أو عامين قبل الانتقال إلى العمل،  هذا الى جانب وجود فئة منهن لم تطأ قدماهن المدرسة أصلا. . ولا تسمح لهن الاسر المشغلة في غالب الأحيان، بارتياد المدارس، رغم توسلات البعض من الخادمات او لذويهم للسماح لهن باستكمال تعليمهن.                                                                               كما أن مواجهتها أيضا، تتطلب تفعيل العقوبات الزجرية في القانون الجنائي المغربي عبر مجموعة من الضوابط الصارمة،  وبلورة جهود فعالة من خلال إحداث مراكز لمساعدة الضحايا من الخادمات القاصرات على تجاوز معاناتهم وعلى الاندماج في المجتمع،  وبلورة برامج للتوعية والتحسيس بمخاطر الظاهرة بمختلف أبعادها النفسية والتربوية والاجتماعية وتبنيها بشكل فعال عبر اخراج قانون حقيقي بشأن خادمات البيوت القاصرات،  يتلاءم والالتزام باتفاقيات منظمة العمل الدولية الخاصة بظروف العمل اللائقة لخادمات المنازل،  علاوة على فرض عقوبات صارمة على السماسرة الذين يستقدمون للعمل أطفالا تحت 15 سنة ، وملاحقة المسؤولين عن العنف ضد عاملات البيوت القاصرات بموجب القانون الجنائي ومعاقبتهم بشكل يحقق الردع الحقيقي، كما انها  مسؤولية تتشارك فيها عدة جهات في مقدمتها وزارة التشغيل والتكوين المهني عبر تنفيذ آليات لتحسين مراقبة تشغيل الخادمات، ووزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية من خلال توفير الملاجئ الطبية والاجتماعية الكافية لعاملات المنازل، ووزارة العدل والحريات عبر الضبط القانوني والزجري للظاهرة، اذ لايمكن الحديث عن أي اقلاع حقيقي للحقوق والحريات بالمغرب، مادامت مثل هذه الظواهر تنخر مجتمعنا.
                                              حسن رزق الله : باحث في القانون العام

vendredi 3 mai 2013

حول مشروعية الاقتطاع من أجور المتصرفين المضربين


حول مشروعية الاقتطاع من أجور المتصرفين المضربين

 بقلم حسن رزق الله
عطفا على التساؤل الذي سبق طرحه حول مشروعية مباشرة الاقتطاع الفوري من أجور الموظفين المضربين وتأثير ذلك على المحطات النضالية للمتصرف الحالية أو المستقبلية، وباعتباري معني بالأمر كمتصرف أولا وكباحث في الشؤون القانونية، ارتأيت أن أقدم وجهة نظري في الموضوع، خصوصا و أن البعض من المسؤولين قد اتخذوها حجة للنيل من عزيمة المتصرفين وثنيهم عن مواصلة النضال المشروع.
في البداية أود الإشارة إلى أن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الصادر في 24 فبرابر1958 لايمنع الموظفين من ممارسة حق الإضراب، ولم يأتي على ذكره مطلقا، بل وبالمقابل أكد على الحق النقابي للموظف و ضماناته حسب ما جاء في الفصل 14 من النظام الأساسي المذكور، مما يجعلنا نعتبر معه الإضراب تغيبا مبررا كباقي التغبيات الأخرى المبررة بدواعي صحية أو نقابية وغيرها التي لا يتم اقتطاع أجور أيامها لأنها تغيبات قانونية.
و من جانب أخر لم يضع النظام الاساسي المعني، اجراء الاقتطاع من الأجرة ضمن العقوبات التأديبية المشار إليها في الفصل 66, مما يفسر رغبة و حكمة المشرع في عدم إقحام الإضراب و المعاقبة على ممارسته ضمن لائحة العقوبات التأديبية المحددة على سبيل الحصر, بل أكثر من ذلك وحتى عندما تحدث عن التوقيف المؤقت عن العمل مع الحرمان من الأجرة لمدة محددة كعقوبة تأديبية فقد ربطها بالضمانات التأديبية بحيث لا تتجاوز الستة أشهر مع الاحتفاظ بالتعويضات العائلية.
و لايمكن اعتباره كترك الموظف لوظيفته، على اعتبار انه سبق للفصل 75 مكرر من نفس النظام الأساسي في حديثه عن حالة ترك الوظيفة بصفة نهائية ان أشار إلى حالات التغيب المبررة قانونا ولم يذكر ضمنها الإضراب مما يجعل فكرة تطبيق هذه المسطرة كما هو مشار اليها مستبعدة تماما.
و من جهة أخرى، فاحتراما لتراتبية مصادر القانون، فإننا نجد أن الدستور الجديد للمملكة والذي يعد أعلى شأنا، قد خصص بابا من ابوابه للحقوق والحريات وضمنه نص الفصل 29 على أن ” حق الإضراب مضمون ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته”. وهو بالتالي حق مضمون دستوريا لا يمكن مصادرته بأي وجه، و من أي جهة كيفما كانت، كما أن القانون التنظيمي الذي سينظمه قد حصر موضوعه سلفا في تحديد شروط الإضراب و كيفية ممارسته فقط، كما انه، عدم خروج هذا القانون التنظيمي الى الوجود، لا يعطي للدولة الحق في مصادرته، ومحاسبة الموظف على ممارسته لحقوقه بدعوى عدم صدور ذلك القانون ، والحال أن عدم صدوره، مسؤولية تتحملها الدولة بمختلف هياكلها وليس الموظف المضرب، مادام المشرع قد خولها مسؤولية تنظيم ذلك الحق الدستوري.
أما من الناحية الحقوقية، فنجد أن المغرب ملزم باحترام جميع الاتفاقيات الدولية التي سبق أن وقعها، وخاصة المتعلقة باحترام الحريات النقابية، ونخص بالذكر الاتفاقية رقم 98 المتعلقة بالحق النقابي والمفاوضة الجماعية منذ 1957 واتفاقية منظمة العمل الدولية المتعلقة بالحقوق الأساسية المرتبطة بالعمل (1998) و التي تنص على أن الإضراب من بين الوسائل المشروعة لممارسة المنظمات النقابية لوظيفتها المطلبية المتمثلة في الدفاع عن المصالح الفردية والجماعية للفئات التي تمثلها.
كما انه لا يمكن تطبيق بنود قانون الشغل في إطار الوظيفة العمومية وخاصة قاعدة الصبغة التبادلية لعقد الشغل، والتي للأسف يحرص بعض مسؤولينا على التلويح بها كلما تمت المناداة إلى خوض إضراب ما، ذلك أن علاقة الموظف بإدارته هي علاقة نظامية لا مكان فيها لمبدأ سلطان الإرادة، وبالتالي فهي بعيدة كل البعد عن تطبيق قواعد قانون الشغل والقانون المدني. وهي علاقة يحكمها القانون الأساسي للوظيفة العمومية لا مكان فيها لقاعدة الأجر مقابل العمل كقاعدة تعاقدية، حيث تبقى أجرته مستمرة ولو تغيب لمرض أو حادث أو تغيب بترخيص …..الخ (الفصل 40. والاستثناء الوحيد هو ما نص عليه الفصل 46 مكرر من إمكانية طلب الموظف لرخصة التغيب مرة واحدة لكل سنتين بدون أجر لا تتعدى شهرا واحدا غير قابل للتقسيط وبعد موافقة رئيسه وتحدد كيفية منح هذه الرخصة بمرسوم.
و في ظل الفراغ التشريعي المنظم لهذا الحق الدستوري، هل يحق للقضاء الاداري التدخل لوضع ضوابط قانونية لممارسة هذا الحق و ما هي حدود سلطات القاضي الاداري في مثل هذه المنازعات.
بالرجوع لبعض ألاحكام و القرارات الصادرة عن المحاكم الإدارية، نجد ان القضاء الاداري المغربي قد حاول ان يحصر تدخله في مراقبة مشروعية الإضراب طبقا للقواعد العامة دون أن يسمح لنفسه بالتدخل في الجوانب الأخرى والتي يعلم أنها مجال خالص للقانون التنظيمي، حيث يرى بعض رجال الفقه الاداري في تعليقهم على بعض قرارات المجلس الأعلى مثلا، أنه لا يمكن اعتبار الإضراب بصفة عامة غير شرعي ومحرم في الوظيفة العمومية، وكل قرار يعتبر غير ذلك فهو غير شرعي ومخالف للدستور. وأن ظهير 24 فبراير 1958 لم يمنع ممارسة هذا الحق، ولكن، بالفعل اعتبره محرما على مجموعة من فئات الموظفين الذين تمنع عليهم أنظمتهم الأساسية بصراحة حق الإضراب. كرجال القضاء ومتصرفو وزارة الداخلية.
كما نجد أن الاجتهاد القضائي المغربي، استقر على اعتبار الإضراب حقا مشروعا؛ إلا أن ممارسته تخضع لبعض الشروط القانونية، تتمثل في عدم الإخلال بالسير المنتظم للمرفق العمومي. لذا فإن الإضراب المفاجئ أو المباغت والطارئ يعتبر غير مشروع. كما أنه يجب أنه يكون بهدف تحقيق مكاسب مهنية وليس ذا أبعاد سياسية وهو مبدأ تم تأصيله من طرف مجلس الدولة الفرنسي من خلال قرار دوهين عندما اعطى الاختصاص للقاضي الاداري في خلق الموازنة بين مبد أاستمرار المرفق العام والحق في ممارسة الحرية.
وحيث ان حق الاضراب كحق اصيل لا يقتضي طلبا من قبل صاحب الشأن ولا يلزم لنشوئه صدور قرار من الادارة بالترخيص كما هو الشأن بالنسبة لبعض الحقوق السياسية الأخرى إلا انه لاعتبارات النظام العام وحسن سير المرفق العام فان ممارسته تستوجب التقيد ب:
- وجوب اخبار السلطات المعنية بالإضراب المراد القيام به وتوقيته، وذلك حتى تتمكن هذه الاخيرة من اتخاذ الاحتياطات اللازمة لما يمكن أن يحدثه هذا التوقف من تأتير على سير المرفق،
- أن يستهدف الاضراب تحقيق مكاسب مهنية أو الدفاع عنها،
- ان يكون بناء على توجيه من نقابة ذات تمتيلية و مشكلة تشكيلا قانونيا ،
- أن يكون الاضراب محددا في الزمان، حيث أن الاضراب المفتوح فلا يكتسي شرعيا لما له من تأثير على سير المرفق العمومي، وعموما، فان الاضراب لا ينبغي أن يمارس بشكل تعسفي أو يستغل في اطار المساواة السياسية.
مما يمكن اعتبار اضراب المتصرفين، توقفا عن العمل بسبب ممارستهم لحقهم الدستوري في الاضراب، يعني أن غيابهم عن العمل كان مشروعا ومبررا وأن معاقبته بالاقتطاع من أجرته مخالف للدستور وقانون الوظيفة العمومية، و هو ما سبقت الاشارة اليه في مختلف الاستفسارات التي توصل بها المتصرفون بهذا الخصوص، الا ان اصرار بعض ادارات الدولة في بعض القطاعات الحكومية كقطاع التربية الوطنية على التمسك بقانونية الاقتطاع من اجرة المضرب بحجة تغيبه غير المبرر عن العمل استنادا الى الفصل الاول من المرسوم رقم 1216-99-2 الصادر بتاريخ 10 ماي 2000 الذي يخضع رواتب موظفي و اعوان الدولة والجماعات المحلية المتغيبين عن العمل بدون ترخيص أو مبرر مقبول للاقتطاع باستتناء التعويضات العائلية. يفسر بجلاء عدم اهتمامها بما حاول الاجتهاد القضائي ترسيخه عبر خلق نوع من الموازنة من خلال تقييد ممارسة حق الاضراب باحترام الضوابط التي سبق الاشارة اليها أعلاه..
ومن الأحكام الصادرة من طرف القضاء الإداري في السنوات الأخيرة :
1 – الحكم الأول : صادر عن إدارية مكناس تحت عدد 63/2001/3-غ بتاريخ 12 يوليوز 2002 قضى بإلغاء القرار الصادر عن وزير التربية الوطنية القاضي باتخاذ عقوبة الإنذار في مواجهة الطاعن بسبب خوضه للاضراب بحيث لا يمكن اعتباره تقصيرا في الواجب المهني.
2- الحكم الثاني : صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 7/02/2006 ، في الملف عدد:107/2005 م .ق ضد وزير التربية الوطنية ، حيث قضت فيه برفض طلب المدعي بإلغاء قرار الاقتطاع من اجرته بسبب ممارسته للإضراب، معللة حكمها بعدم احترامه لبعض الضوابط القانونية المشار اليها سلفا.
ويرى البعض أن ربط حق الإضراب باستمرارية المرفق العام، هو تقييد لممارسة هذا الحق خاصة إذا مورس بناء على تأطير نقابي و أشعرت به الجهة التي يعنيها الأمر لتتخذ كافة الاحتياطات، بمعنى أن يكون قد مورس طبقا للقانون.
بعد كل ما قيل، يبقى من حقنا طرح عدة تساؤلات :
- لماذا يصر بعض مسؤولينا بكل سهولة وخارج أي تغطية قانونية على مباشرة الاقتطاع من أجرة الموظفين المضربين المتصرفين كمثال.
- لماذا تلتجأ الحكومة الحالية الى استغلال كل ما هو قانوني للإجهاز على حق من الحقوق المكفولة دستوريا،
- لماذا كل هذا الإصرار الحكومي على الضغط على الموظف المضرب للتنازل عن ممارسة حقه في الإضراب.
- لماذا يتم المس بالوضعية المالية واستغلال حساسيتها للموظف بصفة عامة ، خصوصا مع الهزالة التي تعرفها اصلا أجور الموظفين ، و يقينها بعدم رغبته أو بالأحرى قدرته على القيام بالمخاطرة المادية للإضراب. لكنها مع ذلك تتناسى انها بذلك تمس صمام أمانها، على اعتبار ان أي مساس بالموظف العمومي هو مساس بالعمود الفقري للإدارة ،
- لماذا يصر اذن بعض المسؤولين على اعتماد خطاب تغلب عليه العاطفة والتحدي الانفعالي، وحتى التهييج الشعبي على الموظف المضرب و محاولة تحميله مسؤولية انتكاسات التدبير العمومي، مما يهدد بالدخول مجددا في متاهة مواجهات عقيمة بين الطرفين . فالكل أصبح يهدد بالاستقالة اذا لم يتم تفعيل قرار الاقتطاع من أجور المضربين.
- لماذا يصر بعض المسؤولين المحسوبين على المتصرفين على اعتماد خطاب الازدواجية في التعامل مع قضايا المتصرف بصفة عامة ، رغم أن وضعية المتصرف الحالية تتطلب الوضوح في المواقف وضرورة تنقية البيت الداخلي قبل الحديت عن الاكراهات الخارجية، فكيف نستنكر اقدام الادارة على استفزاز المتصرف عبر الاقتطاع من أجرته مثلا، ونتناسى أنها تستعمل المتصرف نفسه في تنفيذ قراراتها المتسمة بالشطط.
- لماذا تنفرد بعض القطاعات الجهوية، بالتفعيل الحرفي دون غيرها لقرار الاقتطاع من أجور المتصرفين المضربين دون غيرهم من القطاعات الأخرى كدليل واضح على الشوفينية التي تحكم البعض اتجاه المتصرف، وتدفعه للنيل منه كلما سنحت الفرصة لذلك . وعلى الانتهازية التي تطبع تفكير البعض من متصرفينا التي تدفعهم الى التضحية بمطالب تنظيمهم المهني و النقابي ما دام يتعارض مع طموحهم الشخصي..
- أسئلة تبقى في نظري مشروعة، مادامت الحكومة الحالية قد تبنت سياسة النعامة التي تخبأ رأسها في التراب، اشارة منها على عدم اهتمامها بما يجري حولها.
حسن رزق الله
متصرف بقطاع التربية الوطنية