http://soussinfo.com/11066/maroc-news/%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D8%AB%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%AF%D9%85%D8%A9-%D9%81%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D9%85-%D8%A3%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D8%AA-%D8%AA%D9%81%D8%AC%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%83/
حادثة الخادمة فاطيم أعادت تفجير المسكوت عنه
على خلفية الحادثة المؤثرة التي ذهبت ضحيتها طفلة خادمة بمدينة أكادير، ارتأى
موقع سوس أنفو أن يفتح نقاشا أكاديميا بعيدا عن التناول الأداتي للقضية التي
تتجاوز زاوية الارتزاق الانساني، وفي هذا الصدد التقى الموقع بالأستاذ حسن رزق
الله ، الباحث في القانون العام والمهتم بالشأن الحقوقي خصوصا بمنطقة سوس التي تعج
بالقضايا والحوادث والتي تسيل لعاب الباحث والمهتم بالقضايا الحقوقية. منطلق
الحوار كان حادثة الطفلة فاطيم التي فارقت الحياة عند الأسرة التي استقدمتها الى
مدينة أكادير ليتشعب النقاش مع ذ. رزق الله ليطال اشكالية تشغيل الطفلات في البيوت
بالمغرب.
·
أمام تنامي الحوادث القاتلة التي تذهب ضحيتها الخادمات
القاصرات، جراء العنف الممارس عليهم من طرف مشغليهن، ما مكمن الخلل في نظركم، أهو
مشكل ترسانة قانونية أم تنزيل لمقتضيات القانون؟
في البداية أود القول ان الله تعالى قد اهتم بالإنسان اكثر من غيره من سائر
المخلوقات الاخرى وكرمه في مختلف مراحل حياته، وعلى هذا المنوال سار ت مختلف
التشريعات عبر اهتمامها بحمايته منذ وجوده في رحم امه الى مرحلة رشده، ضامنة له
الحماية و لأمه الحامل من الأعمال الشاقة وعدم تحميلهما ما لا طاقة لهما به. كما
انصب هذا الاهتمام على عدة مستويات ومجالات من أبرزها الجانب الحقوقي الذي يهدف
الى وضع القواعد القانونية الكفيلة بضمان العناية بالطفل وكفالة حقه في الحياة وعدم
الاعتداء على حقوقه المدنية اضافة الى تنظيم الالتزامات المفروضة على الافراد
والمؤسسات ازاء الاطفال.
هذا دون ان ننسى التنظيم التشريعي الدقيق لوضعية الاطفال الذين لم يكتب لهم
العيش في وضعية طفولة طبيعية كغيرهم. و في هذا الصدد لابد من الاشارة الى مجموعة
من النصوص التي وضعها المشرع المغربي والمنبثقة أساسا من مصادقته على مختلف
الاتفاقيات الدولية المهتمة بهذا الموضوع ، حيث سعى من وراء ذلك الى اعتبار أحقية
القاصر في ان يكون طرفا في الالتزامات، وهو ما أكدته بعض نصوص قانون الالتزامات
والعقود المغربي، وكذا مدونة التجارة وقانون الشغل، بالإضافة الى القانون الجنائي
التي يروم الى توفير الحماية الزجرية في اجبار الافراد على احترام حقوق القاصرين،
مما ذكر اذن، يظهر ان المغرب اليوم يزخر بمجموعة من النصوص القانونية المتعلقة
بحماية القاصرين، والتي لا تحتاج سوى الى عملية تحيين حتى تتلاءم مع المستجدات
الاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها البلاد ، عبر التأطير القانوني الجيد لمختلف
المتدخلين في مجال الطفولة قصد الوصول الى تنشئة طفل يستطيع عند تحمل المسؤولية أن
يعي الخدمات التي وفرها له المجتمع ليعمل من جانبه على خدمة هذا المجتمع. غير أنه
وللأسف رغم كل هذه المجهودات الرامية بالأساس الى تحريم تشغيل الأطفال بشكل قطعي،
إلا ان ذلك لم يمنع من تنامي تلك الظاهرة اللانسانية بصورة مكتفة داخل حواضره خاصة
في المدن الكبرى كالدار البيضاء، مراكش، اكادير… وفي ظروف صعبة مقابل أجور هزيلة
لا تتلائم مع الأشغال الشاقة التي يؤديها الخادمات القاصرات بالمقابل.
ومن جانبها، لم تتناول مدونة الشغل المغربية بشكل مباشر إشكالية العمل المنزلي
، حيث لا تتمتع عاملات المنازل بالكثير من الحقوق الأساسية التي ينالها العمال
الآخرون، إذ بموجب مدونة الشغل، يحصل العمال الآخرون على حد أدنى للأجر وحد أقصى
لساعات العمل ويوم عطلة أسبوعيا. لهذه الغاية حاولت الحكومة الحالية اعادة النظر
في مشروع قانون لتنظيم العمل المنزلي، دون أن يصدر منها لحد أي تفعيل لذلك في سبيل
اخراجه الى ارض الواقع. رغم ان ذلك لا يتطلب سوى توافر ارادة حقيقية. ويحظر عموما
هذا المشروع تشغيل أطفال دون سن 15 عاما في المنازل، وينص على معاقبة أي شخص يشغل
طفلا تحت 15 عاما في المنزل بغرامة تتراوح بين ألف و30 ألف درهم، وغرامة تتراوح
بين 25 و30 ألفا درهم على الوسطاء، أو أي شخص يشغل طفلا بين 15 و18 عاما دون تصريح
من ولي أمره. وينص مشروع القانون أيضا على ظروف عمل معينة لعاملات المنازل بشكل
عام، وهي سارية بالنسبة إلى الأطفال فوق 15 عاما المصرح لهم قانونا بالعمل، من
قبيل ألا يزاولوا أعمالا تشمل مخاطر زائدة أو تتعدى قدرات العاملة أو تؤثر على
سلوك مقبول أخلاقيا لديها، فضلا عن ضرورة توفير عقد عمل وضمان إجازة أسبوعية لمدة
24 ساعة متواصلة وإجازة سنوية مدفوعة الأجر بمعدل يوم ونصف اليوم عن كل شهر عمل،
بالإضافة إلى الراحة أثناء العطل الوطنية والدينية والتوقف عن العمل في المناسبات
العائلية، والتعويض في حال الفصل من العمل بعد عام على الأقل من الخدمة.
·
بصدد الحادثة الأخيرة التي شهدت
وقائعها مدينة أكادير مؤخرا، والتي أودت بخادمة قاصر، ما الجهة التي تحملونها
المسؤولية فيما حدث؟
لا اريد الخوض بشكل مباشر في هذه القضية على اعتبار أن تحديد المسؤولية
المباشرة يعود الى القضاء ليقول كلمته فيها ، غير اني أود بالمقابل الوقوف قليلا
على طبيعة المعاملة التي تتلقاها الخادمات القاصرات الللواتي كان ذنبهن الوحيد
انهن وجدن في وضعية اقتصادية واجتماعية لم يكن لهن أي دخل فيها ، ذلك أن ما تعرضت
له الخادمة فاطيم لم يكن بالشيء المفاجئ، غير أنه اعاد تفجير المسكوت عنه ، وجعلنا
نقف على مجموعة من المظاهر التي تحكم هذه الظاهرة و التي سبق ان اشارت اليها
العديد من تقارير المنظمات الحقوقية ، غير انه يمكن ايجازها في ما يلي :
- تتعرض أغلب الخادمات القاصرات
لمختلف أنواع أشكال الاضطهاد النفسي وخاصة الجسدي والرمزي الذي يخلف آثارا ومعاناة
نفسية صعبة ومستمرة للخادمة القاصر ، ويزداد الأمر خطورة مع وجود ثقافة اجتماعية
تشرعنه وتبرره ؛
فعلاوة على اعتبار العقاب الموجه للخادمة القاصر وسيلة "للتربية والتهذيب
وضبط الأمور فهو من هذا المنظور الاجتماعي التقليدي السائد حق أيضا؛ يتم التعامل
من خلاله مع الخادمة القاصر كراشدة؛ ونتيجة لذلك نجد ان هذه الاخيرة تكون مرغمة
على القبول بما تتلقاه وتقر بمشروعيته، و في هذا المجال، يتم استعمال الضرب
بالأيادي وبالأحزمة والعصي والأحذية والأنابيب البلاستيكية "التيو" في
أغلب الاحيان و في حالات متطرفة اعتماد الكي و احراق الاطراف كحالة الخادمة فاطيم،
علاوة على السب واستعمال مختلف الشتائم والتجويع والحرمان من الراحة" إذ لم
يؤدين المهام على النحو المرضي لهم أو إذا كسرن شيئا، وأحيانا أخرى على حوادث خاصة
بأطفال أصحاب البيت تحت وطأة التهديد. هذا دون أن ننسى تعرض بعضهن لأنواع التحرش
والعنف الجنسي من الذكور سواء من المشغلين أنفسهم أو من أبنائهم أو حتى اقاربهم ،
- تنحدر أغلبية عاملات المنازل
القاصرات، من مناطق قروية فقيرة، ينتقلن للعمل في المدن الكبرى من قبيل الدار
البيضاء والرباط ومراكش وطنجة وأكادير وفاس، لتأمين دخل ثابت يكون غالبا هزيلا 400
درهم في الحالة المعروضة. – يكون ذوي الخادمات القاصرات من العائلات الكبيرة عددا،
ويكون فيها الاباء اميون لا يقرؤون ولا يكتبون، مما يعرضهم في الغالب للنصب و
تعريض حقوق بناتهم للضياع.
- أغلبهن يبدأن العمل بالبيوت في
سن مبكرة جدا، منذ ثماني أو تسع سنوات، حيث لم تتجاوز الخادمة فاطيم سن الخامسة
عشر. – رغم أن مدونة الشغل تفرض 44 ساعة حدا أقصى للعمل أسبوعيا في قطاع الصناعة،
ولأنه لا يوجد حد أقصى لساعات العمل بالنسبة إلى خادمات المنازل في القانون، تصبح
القاصرات تحت رحمة أصحاب العمل، إذ تبدأ أغلب العاملات العمل في ساعة مبكرة من
الصباح ولا ينتهي عملهن إلا في المساء دون فرصة كافية للاستراحة، إذ غالبا ما تكون
الطفلة القاصر أول من يستيقظ في الصباح وآخر من يأوي للفراش ليلا. كما أن أغلب
الخادمات يعملن سبعة أيام في الأسبوع دون أيام راحة، إذ يمكن لبعضهن أن يعملن لمدة
عامين دون الحصول على يوم راحة واحد، وهي على العموم مظاهر تتم معاينتها بشكل واضح.
·
هناك من يلقي باللائمة في مثل هذه الحوادث على جهات دون
أخرى، في نظرك لم هذه الانتقائية في التعاطي مع حوادث تستدعي تشريحا سوسيولوجيا
معقدا لفهم المشكلة وإيجاد حلول لها؟
الحقيقة أن مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة التي تتهدد الأطفال والقاصرين، مسؤولية
جماعية تتقاسمها الدولة بمختلف مؤسساتها والمجتمع المدني والأسرة؛ وهي تبدأ من
مكافحة الفقر وإحداث البنيات الاجتماعية والتربوية الأساسية في المدن والقرى
والتأهيل الاقتصادي للأسر المعوزة التي تنتشر خاصة في البوادي خصوصا مع تعقد
الحياة المعيشية في الآونة الأخيرة، بالإضافة الى ضرورة العمل على توعية تلك
الأسر، على ضرورة الاهتمام بالرأسمال الحقيقي لها والمتمثل في التركيز على رعاية
ابنائهم و تعليمهم، كاستثمار يستحق التضحية، عوض الزج بهم في امتهان أشغال منزلية
شاقة في الغالب وفي ظروف غير ملائمة ، تؤثر بالأساس على نموهم الفيسيولوجي والنفسي.
في انتظار أجور هزيلة في نهاية الشهر، و بخصوص هذه النقطة يجب التذكير على ان
الخادمات القاصرات لا يحصلن إلا على قسط قليل من التعليم، إذ أن أغلبهن لم يرتدن
المدرسة إلا عاما أو عامين قبل الانتقال إلى العمل، هذا الى جانب وجود فئة منهن لم
تطأ قدماهن المدرسة أصلا. . ولا تسمح لهن الاسر المشغلة في غالب الأحيان، بارتياد
المدارس، رغم الوعود السابقة لأسرهن بالسماح لهن بالتمدرس وتوسلات البعض منهن
السماح لهن باستكمال تعليمهن.
كما أن مواجهتها أيضا، تتطلب تفعيل العقوبات الزجرية وبخاصة وأن القانون
الجنائي المغربي عبر مجموعة من الضوابط الصارمة؛ وبلورة جهود فعالة من خلال إحداث
مراكز لمساعدة الضحايا من الخادمات القاصرات على تجاوز معاناتهم وعلى الاندماج في
المجتمع؛ وبلورة برامج للتوعية والتحسيس بمخاطر الظاهرة بمختلف أبعادها النفسية
والتربوية والاجتماعية..وتبنيها بشكل حقيقي عبر اخراج قانون حقيقي بشأن خادمات
البيوت القاصرات بشكل يتلاءم والالتزام باتفاقيات منظمة العمل الدولية الخاصة
بظروف العمل اللائقة لخادمات المنازل، علاوة على فرض عقوبات صارمة على السماسرة
الذين يستقدمون للعمل أطفالا تحت 15 سنة ، وملاحقة المسؤولين عن العنف ضد عاملات
البيوت القاصرات بموجب القانون الجنائي و معاقبتهم بشكل يحقق الردع الحقيقي، و
مسؤولية تتشارك فيها عدة جهات في مقدمتها وزارة التشغيل والتكوين المهني عبر تنفيذ
آليات لتحسين مراقبة تشغيل الخادمات، ووزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية
الاجتماعية من خلال توفير الملاجئ الطبية والاجتماعية الكافية لعاملات المنازل.
اوبليح الحسين