حول مشروعية الاقتطاع من أجور المتصرفين المضربين
بقلم حسن رزق الله
عطفا على التساؤل الذي سبق طرحه حول مشروعية مباشرة الاقتطاع الفوري من أجور الموظفين المضربين وتأثير ذلك على المحطات النضالية للمتصرف الحالية أو المستقبلية، وباعتباري معني بالأمر كمتصرف أولا وكباحث في الشؤون القانونية، ارتأيت أن أقدم وجهة نظري في الموضوع، خصوصا و أن البعض من المسؤولين قد اتخذوها حجة للنيل من عزيمة المتصرفين وثنيهم عن مواصلة النضال المشروع.
في البداية أود الإشارة إلى أن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الصادر في 24 فبرابر1958 لايمنع الموظفين من ممارسة حق الإضراب، ولم يأتي على ذكره مطلقا، بل وبالمقابل أكد على الحق النقابي للموظف و ضماناته حسب ما جاء في الفصل 14 من النظام الأساسي المذكور، مما يجعلنا نعتبر معه الإضراب تغيبا مبررا كباقي التغبيات الأخرى المبررة بدواعي صحية أو نقابية وغيرها التي لا يتم اقتطاع أجور أيامها لأنها تغيبات قانونية.
و من جانب أخر لم يضع النظام الاساسي المعني، اجراء الاقتطاع من الأجرة ضمن العقوبات التأديبية المشار إليها في الفصل 66, مما يفسر رغبة و حكمة المشرع في عدم إقحام الإضراب و المعاقبة على ممارسته ضمن لائحة العقوبات التأديبية المحددة على سبيل الحصر, بل أكثر من ذلك وحتى عندما تحدث عن التوقيف المؤقت عن العمل مع الحرمان من الأجرة لمدة محددة كعقوبة تأديبية فقد ربطها بالضمانات التأديبية بحيث لا تتجاوز الستة أشهر مع الاحتفاظ بالتعويضات العائلية.
و لايمكن اعتباره كترك الموظف لوظيفته، على اعتبار انه سبق للفصل 75 مكرر من نفس النظام الأساسي في حديثه عن حالة ترك الوظيفة بصفة نهائية ان أشار إلى حالات التغيب المبررة قانونا ولم يذكر ضمنها الإضراب مما يجعل فكرة تطبيق هذه المسطرة كما هو مشار اليها مستبعدة تماما.
و من جهة أخرى، فاحتراما لتراتبية مصادر القانون، فإننا نجد أن الدستور الجديد للمملكة والذي يعد أعلى شأنا، قد خصص بابا من ابوابه للحقوق والحريات وضمنه نص الفصل 29 على أن ” حق الإضراب مضمون ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته”. وهو بالتالي حق مضمون دستوريا لا يمكن مصادرته بأي وجه، و من أي جهة كيفما كانت، كما أن القانون التنظيمي الذي سينظمه قد حصر موضوعه سلفا في تحديد شروط الإضراب و كيفية ممارسته فقط، كما انه، عدم خروج هذا القانون التنظيمي الى الوجود، لا يعطي للدولة الحق في مصادرته، ومحاسبة الموظف على ممارسته لحقوقه بدعوى عدم صدور ذلك القانون ، والحال أن عدم صدوره، مسؤولية تتحملها الدولة بمختلف هياكلها وليس الموظف المضرب، مادام المشرع قد خولها مسؤولية تنظيم ذلك الحق الدستوري.
أما من الناحية الحقوقية، فنجد أن المغرب ملزم باحترام جميع الاتفاقيات الدولية التي سبق أن وقعها، وخاصة المتعلقة باحترام الحريات النقابية، ونخص بالذكر الاتفاقية رقم 98 المتعلقة بالحق النقابي والمفاوضة الجماعية منذ 1957 واتفاقية منظمة العمل الدولية المتعلقة بالحقوق الأساسية المرتبطة بالعمل (1998) و التي تنص على أن الإضراب من بين الوسائل المشروعة لممارسة المنظمات النقابية لوظيفتها المطلبية المتمثلة في الدفاع عن المصالح الفردية والجماعية للفئات التي تمثلها.
كما انه لا يمكن تطبيق بنود قانون الشغل في إطار الوظيفة العمومية وخاصة قاعدة الصبغة التبادلية لعقد الشغل، والتي للأسف يحرص بعض مسؤولينا على التلويح بها كلما تمت المناداة إلى خوض إضراب ما، ذلك أن علاقة الموظف بإدارته هي علاقة نظامية لا مكان فيها لمبدأ سلطان الإرادة، وبالتالي فهي بعيدة كل البعد عن تطبيق قواعد قانون الشغل والقانون المدني. وهي علاقة يحكمها القانون الأساسي للوظيفة العمومية لا مكان فيها لقاعدة الأجر مقابل العمل كقاعدة تعاقدية، حيث تبقى أجرته مستمرة ولو تغيب لمرض أو حادث أو تغيب بترخيص …..الخ (الفصل 40. والاستثناء الوحيد هو ما نص عليه الفصل 46 مكرر من إمكانية طلب الموظف لرخصة التغيب مرة واحدة لكل سنتين بدون أجر لا تتعدى شهرا واحدا غير قابل للتقسيط وبعد موافقة رئيسه وتحدد كيفية منح هذه الرخصة بمرسوم.
و في ظل الفراغ التشريعي المنظم لهذا الحق الدستوري، هل يحق للقضاء الاداري التدخل لوضع ضوابط قانونية لممارسة هذا الحق و ما هي حدود سلطات القاضي الاداري في مثل هذه المنازعات.
بالرجوع لبعض ألاحكام و القرارات الصادرة عن المحاكم الإدارية، نجد ان القضاء الاداري المغربي قد حاول ان يحصر تدخله في مراقبة مشروعية الإضراب طبقا للقواعد العامة دون أن يسمح لنفسه بالتدخل في الجوانب الأخرى والتي يعلم أنها مجال خالص للقانون التنظيمي، حيث يرى بعض رجال الفقه الاداري في تعليقهم على بعض قرارات المجلس الأعلى مثلا، أنه لا يمكن اعتبار الإضراب بصفة عامة غير شرعي ومحرم في الوظيفة العمومية، وكل قرار يعتبر غير ذلك فهو غير شرعي ومخالف للدستور. وأن ظهير 24 فبراير 1958 لم يمنع ممارسة هذا الحق، ولكن، بالفعل اعتبره محرما على مجموعة من فئات الموظفين الذين تمنع عليهم أنظمتهم الأساسية بصراحة حق الإضراب. كرجال القضاء ومتصرفو وزارة الداخلية.
كما نجد أن الاجتهاد القضائي المغربي، استقر على اعتبار الإضراب حقا مشروعا؛ إلا أن ممارسته تخضع لبعض الشروط القانونية، تتمثل في عدم الإخلال بالسير المنتظم للمرفق العمومي. لذا فإن الإضراب المفاجئ أو المباغت والطارئ يعتبر غير مشروع. كما أنه يجب أنه يكون بهدف تحقيق مكاسب مهنية وليس ذا أبعاد سياسية وهو مبدأ تم تأصيله من طرف مجلس الدولة الفرنسي من خلال قرار دوهين عندما اعطى الاختصاص للقاضي الاداري في خلق الموازنة بين مبد أاستمرار المرفق العام والحق في ممارسة الحرية.
وحيث ان حق الاضراب كحق اصيل لا يقتضي طلبا من قبل صاحب الشأن ولا يلزم لنشوئه صدور قرار من الادارة بالترخيص كما هو الشأن بالنسبة لبعض الحقوق السياسية الأخرى إلا انه لاعتبارات النظام العام وحسن سير المرفق العام فان ممارسته تستوجب التقيد ب:
- وجوب اخبار السلطات المعنية بالإضراب المراد القيام به وتوقيته، وذلك حتى تتمكن هذه الاخيرة من اتخاذ الاحتياطات اللازمة لما يمكن أن يحدثه هذا التوقف من تأتير على سير المرفق،
- أن يستهدف الاضراب تحقيق مكاسب مهنية أو الدفاع عنها،
- ان يكون بناء على توجيه من نقابة ذات تمتيلية و مشكلة تشكيلا قانونيا ،
- أن يكون الاضراب محددا في الزمان، حيث أن الاضراب المفتوح فلا يكتسي شرعيا لما له من تأثير على سير المرفق العمومي، وعموما، فان الاضراب لا ينبغي أن يمارس بشكل تعسفي أو يستغل في اطار المساواة السياسية.
مما يمكن اعتبار اضراب المتصرفين، توقفا عن العمل بسبب ممارستهم لحقهم الدستوري في الاضراب، يعني أن غيابهم عن العمل كان مشروعا ومبررا وأن معاقبته بالاقتطاع من أجرته مخالف للدستور وقانون الوظيفة العمومية، و هو ما سبقت الاشارة اليه في مختلف الاستفسارات التي توصل بها المتصرفون بهذا الخصوص، الا ان اصرار بعض ادارات الدولة في بعض القطاعات الحكومية كقطاع التربية الوطنية على التمسك بقانونية الاقتطاع من اجرة المضرب بحجة تغيبه غير المبرر عن العمل استنادا الى الفصل الاول من المرسوم رقم 1216-99-2 الصادر بتاريخ 10 ماي 2000 الذي يخضع رواتب موظفي و اعوان الدولة والجماعات المحلية المتغيبين عن العمل بدون ترخيص أو مبرر مقبول للاقتطاع باستتناء التعويضات العائلية. يفسر بجلاء عدم اهتمامها بما حاول الاجتهاد القضائي ترسيخه عبر خلق نوع من الموازنة من خلال تقييد ممارسة حق الاضراب باحترام الضوابط التي سبق الاشارة اليها أعلاه..
ومن الأحكام الصادرة من طرف القضاء الإداري في السنوات الأخيرة :
1 – الحكم الأول : صادر عن إدارية مكناس تحت عدد 63/2001/3-غ بتاريخ 12 يوليوز 2002 قضى بإلغاء القرار الصادر عن وزير التربية الوطنية القاضي باتخاذ عقوبة الإنذار في مواجهة الطاعن بسبب خوضه للاضراب بحيث لا يمكن اعتباره تقصيرا في الواجب المهني.
2- الحكم الثاني : صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 7/02/2006 ، في الملف عدد:107/2005 م .ق ضد وزير التربية الوطنية ، حيث قضت فيه برفض طلب المدعي بإلغاء قرار الاقتطاع من اجرته بسبب ممارسته للإضراب، معللة حكمها بعدم احترامه لبعض الضوابط القانونية المشار اليها سلفا.
ويرى البعض أن ربط حق الإضراب باستمرارية المرفق العام، هو تقييد لممارسة هذا الحق خاصة إذا مورس بناء على تأطير نقابي و أشعرت به الجهة التي يعنيها الأمر لتتخذ كافة الاحتياطات، بمعنى أن يكون قد مورس طبقا للقانون.
بعد كل ما قيل، يبقى من حقنا طرح عدة تساؤلات :
- لماذا يصر بعض مسؤولينا بكل سهولة وخارج أي تغطية قانونية على مباشرة الاقتطاع من أجرة الموظفين المضربين المتصرفين كمثال.
- لماذا تلتجأ الحكومة الحالية الى استغلال كل ما هو قانوني للإجهاز على حق من الحقوق المكفولة دستوريا،
- لماذا كل هذا الإصرار الحكومي على الضغط على الموظف المضرب للتنازل عن ممارسة حقه في الإضراب.
- لماذا يتم المس بالوضعية المالية واستغلال حساسيتها للموظف بصفة عامة ، خصوصا مع الهزالة التي تعرفها اصلا أجور الموظفين ، و يقينها بعدم رغبته أو بالأحرى قدرته على القيام بالمخاطرة المادية للإضراب. لكنها مع ذلك تتناسى انها بذلك تمس صمام أمانها، على اعتبار ان أي مساس بالموظف العمومي هو مساس بالعمود الفقري للإدارة ،
- لماذا يصر اذن بعض المسؤولين على اعتماد خطاب تغلب عليه العاطفة والتحدي الانفعالي، وحتى التهييج الشعبي على الموظف المضرب و محاولة تحميله مسؤولية انتكاسات التدبير العمومي، مما يهدد بالدخول مجددا في متاهة مواجهات عقيمة بين الطرفين . فالكل أصبح يهدد بالاستقالة اذا لم يتم تفعيل قرار الاقتطاع من أجور المضربين.
- لماذا يصر بعض المسؤولين المحسوبين على المتصرفين على اعتماد خطاب الازدواجية في التعامل مع قضايا المتصرف بصفة عامة ، رغم أن وضعية المتصرف الحالية تتطلب الوضوح في المواقف وضرورة تنقية البيت الداخلي قبل الحديت عن الاكراهات الخارجية، فكيف نستنكر اقدام الادارة على استفزاز المتصرف عبر الاقتطاع من أجرته مثلا، ونتناسى أنها تستعمل المتصرف نفسه في تنفيذ قراراتها المتسمة بالشطط.
- لماذا تنفرد بعض القطاعات الجهوية، بالتفعيل الحرفي دون غيرها لقرار الاقتطاع من أجور المتصرفين المضربين دون غيرهم من القطاعات الأخرى كدليل واضح على الشوفينية التي تحكم البعض اتجاه المتصرف، وتدفعه للنيل منه كلما سنحت الفرصة لذلك . وعلى الانتهازية التي تطبع تفكير البعض من متصرفينا التي تدفعهم الى التضحية بمطالب تنظيمهم المهني و النقابي ما دام يتعارض مع طموحهم الشخصي..
- أسئلة تبقى في نظري مشروعة، مادامت الحكومة الحالية قد تبنت سياسة النعامة التي تخبأ رأسها في التراب، اشارة منها على عدم اهتمامها بما يجري حولها.
عطفا على التساؤل الذي سبق طرحه حول مشروعية مباشرة الاقتطاع الفوري من أجور الموظفين المضربين وتأثير ذلك على المحطات النضالية للمتصرف الحالية أو المستقبلية، وباعتباري معني بالأمر كمتصرف أولا وكباحث في الشؤون القانونية، ارتأيت أن أقدم وجهة نظري في الموضوع، خصوصا و أن البعض من المسؤولين قد اتخذوها حجة للنيل من عزيمة المتصرفين وثنيهم عن مواصلة النضال المشروع.
في البداية أود الإشارة إلى أن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الصادر في 24 فبرابر1958 لايمنع الموظفين من ممارسة حق الإضراب، ولم يأتي على ذكره مطلقا، بل وبالمقابل أكد على الحق النقابي للموظف و ضماناته حسب ما جاء في الفصل 14 من النظام الأساسي المذكور، مما يجعلنا نعتبر معه الإضراب تغيبا مبررا كباقي التغبيات الأخرى المبررة بدواعي صحية أو نقابية وغيرها التي لا يتم اقتطاع أجور أيامها لأنها تغيبات قانونية.
و من جانب أخر لم يضع النظام الاساسي المعني، اجراء الاقتطاع من الأجرة ضمن العقوبات التأديبية المشار إليها في الفصل 66, مما يفسر رغبة و حكمة المشرع في عدم إقحام الإضراب و المعاقبة على ممارسته ضمن لائحة العقوبات التأديبية المحددة على سبيل الحصر, بل أكثر من ذلك وحتى عندما تحدث عن التوقيف المؤقت عن العمل مع الحرمان من الأجرة لمدة محددة كعقوبة تأديبية فقد ربطها بالضمانات التأديبية بحيث لا تتجاوز الستة أشهر مع الاحتفاظ بالتعويضات العائلية.
و لايمكن اعتباره كترك الموظف لوظيفته، على اعتبار انه سبق للفصل 75 مكرر من نفس النظام الأساسي في حديثه عن حالة ترك الوظيفة بصفة نهائية ان أشار إلى حالات التغيب المبررة قانونا ولم يذكر ضمنها الإضراب مما يجعل فكرة تطبيق هذه المسطرة كما هو مشار اليها مستبعدة تماما.
و من جهة أخرى، فاحتراما لتراتبية مصادر القانون، فإننا نجد أن الدستور الجديد للمملكة والذي يعد أعلى شأنا، قد خصص بابا من ابوابه للحقوق والحريات وضمنه نص الفصل 29 على أن ” حق الإضراب مضمون ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته”. وهو بالتالي حق مضمون دستوريا لا يمكن مصادرته بأي وجه، و من أي جهة كيفما كانت، كما أن القانون التنظيمي الذي سينظمه قد حصر موضوعه سلفا في تحديد شروط الإضراب و كيفية ممارسته فقط، كما انه، عدم خروج هذا القانون التنظيمي الى الوجود، لا يعطي للدولة الحق في مصادرته، ومحاسبة الموظف على ممارسته لحقوقه بدعوى عدم صدور ذلك القانون ، والحال أن عدم صدوره، مسؤولية تتحملها الدولة بمختلف هياكلها وليس الموظف المضرب، مادام المشرع قد خولها مسؤولية تنظيم ذلك الحق الدستوري.
أما من الناحية الحقوقية، فنجد أن المغرب ملزم باحترام جميع الاتفاقيات الدولية التي سبق أن وقعها، وخاصة المتعلقة باحترام الحريات النقابية، ونخص بالذكر الاتفاقية رقم 98 المتعلقة بالحق النقابي والمفاوضة الجماعية منذ 1957 واتفاقية منظمة العمل الدولية المتعلقة بالحقوق الأساسية المرتبطة بالعمل (1998) و التي تنص على أن الإضراب من بين الوسائل المشروعة لممارسة المنظمات النقابية لوظيفتها المطلبية المتمثلة في الدفاع عن المصالح الفردية والجماعية للفئات التي تمثلها.
كما انه لا يمكن تطبيق بنود قانون الشغل في إطار الوظيفة العمومية وخاصة قاعدة الصبغة التبادلية لعقد الشغل، والتي للأسف يحرص بعض مسؤولينا على التلويح بها كلما تمت المناداة إلى خوض إضراب ما، ذلك أن علاقة الموظف بإدارته هي علاقة نظامية لا مكان فيها لمبدأ سلطان الإرادة، وبالتالي فهي بعيدة كل البعد عن تطبيق قواعد قانون الشغل والقانون المدني. وهي علاقة يحكمها القانون الأساسي للوظيفة العمومية لا مكان فيها لقاعدة الأجر مقابل العمل كقاعدة تعاقدية، حيث تبقى أجرته مستمرة ولو تغيب لمرض أو حادث أو تغيب بترخيص …..الخ (الفصل 40. والاستثناء الوحيد هو ما نص عليه الفصل 46 مكرر من إمكانية طلب الموظف لرخصة التغيب مرة واحدة لكل سنتين بدون أجر لا تتعدى شهرا واحدا غير قابل للتقسيط وبعد موافقة رئيسه وتحدد كيفية منح هذه الرخصة بمرسوم.
و في ظل الفراغ التشريعي المنظم لهذا الحق الدستوري، هل يحق للقضاء الاداري التدخل لوضع ضوابط قانونية لممارسة هذا الحق و ما هي حدود سلطات القاضي الاداري في مثل هذه المنازعات.
بالرجوع لبعض ألاحكام و القرارات الصادرة عن المحاكم الإدارية، نجد ان القضاء الاداري المغربي قد حاول ان يحصر تدخله في مراقبة مشروعية الإضراب طبقا للقواعد العامة دون أن يسمح لنفسه بالتدخل في الجوانب الأخرى والتي يعلم أنها مجال خالص للقانون التنظيمي، حيث يرى بعض رجال الفقه الاداري في تعليقهم على بعض قرارات المجلس الأعلى مثلا، أنه لا يمكن اعتبار الإضراب بصفة عامة غير شرعي ومحرم في الوظيفة العمومية، وكل قرار يعتبر غير ذلك فهو غير شرعي ومخالف للدستور. وأن ظهير 24 فبراير 1958 لم يمنع ممارسة هذا الحق، ولكن، بالفعل اعتبره محرما على مجموعة من فئات الموظفين الذين تمنع عليهم أنظمتهم الأساسية بصراحة حق الإضراب. كرجال القضاء ومتصرفو وزارة الداخلية.
كما نجد أن الاجتهاد القضائي المغربي، استقر على اعتبار الإضراب حقا مشروعا؛ إلا أن ممارسته تخضع لبعض الشروط القانونية، تتمثل في عدم الإخلال بالسير المنتظم للمرفق العمومي. لذا فإن الإضراب المفاجئ أو المباغت والطارئ يعتبر غير مشروع. كما أنه يجب أنه يكون بهدف تحقيق مكاسب مهنية وليس ذا أبعاد سياسية وهو مبدأ تم تأصيله من طرف مجلس الدولة الفرنسي من خلال قرار دوهين عندما اعطى الاختصاص للقاضي الاداري في خلق الموازنة بين مبد أاستمرار المرفق العام والحق في ممارسة الحرية.
وحيث ان حق الاضراب كحق اصيل لا يقتضي طلبا من قبل صاحب الشأن ولا يلزم لنشوئه صدور قرار من الادارة بالترخيص كما هو الشأن بالنسبة لبعض الحقوق السياسية الأخرى إلا انه لاعتبارات النظام العام وحسن سير المرفق العام فان ممارسته تستوجب التقيد ب:
- وجوب اخبار السلطات المعنية بالإضراب المراد القيام به وتوقيته، وذلك حتى تتمكن هذه الاخيرة من اتخاذ الاحتياطات اللازمة لما يمكن أن يحدثه هذا التوقف من تأتير على سير المرفق،
- أن يستهدف الاضراب تحقيق مكاسب مهنية أو الدفاع عنها،
- ان يكون بناء على توجيه من نقابة ذات تمتيلية و مشكلة تشكيلا قانونيا ،
- أن يكون الاضراب محددا في الزمان، حيث أن الاضراب المفتوح فلا يكتسي شرعيا لما له من تأثير على سير المرفق العمومي، وعموما، فان الاضراب لا ينبغي أن يمارس بشكل تعسفي أو يستغل في اطار المساواة السياسية.
مما يمكن اعتبار اضراب المتصرفين، توقفا عن العمل بسبب ممارستهم لحقهم الدستوري في الاضراب، يعني أن غيابهم عن العمل كان مشروعا ومبررا وأن معاقبته بالاقتطاع من أجرته مخالف للدستور وقانون الوظيفة العمومية، و هو ما سبقت الاشارة اليه في مختلف الاستفسارات التي توصل بها المتصرفون بهذا الخصوص، الا ان اصرار بعض ادارات الدولة في بعض القطاعات الحكومية كقطاع التربية الوطنية على التمسك بقانونية الاقتطاع من اجرة المضرب بحجة تغيبه غير المبرر عن العمل استنادا الى الفصل الاول من المرسوم رقم 1216-99-2 الصادر بتاريخ 10 ماي 2000 الذي يخضع رواتب موظفي و اعوان الدولة والجماعات المحلية المتغيبين عن العمل بدون ترخيص أو مبرر مقبول للاقتطاع باستتناء التعويضات العائلية. يفسر بجلاء عدم اهتمامها بما حاول الاجتهاد القضائي ترسيخه عبر خلق نوع من الموازنة من خلال تقييد ممارسة حق الاضراب باحترام الضوابط التي سبق الاشارة اليها أعلاه..
ومن الأحكام الصادرة من طرف القضاء الإداري في السنوات الأخيرة :
1 – الحكم الأول : صادر عن إدارية مكناس تحت عدد 63/2001/3-غ بتاريخ 12 يوليوز 2002 قضى بإلغاء القرار الصادر عن وزير التربية الوطنية القاضي باتخاذ عقوبة الإنذار في مواجهة الطاعن بسبب خوضه للاضراب بحيث لا يمكن اعتباره تقصيرا في الواجب المهني.
2- الحكم الثاني : صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 7/02/2006 ، في الملف عدد:107/2005 م .ق ضد وزير التربية الوطنية ، حيث قضت فيه برفض طلب المدعي بإلغاء قرار الاقتطاع من اجرته بسبب ممارسته للإضراب، معللة حكمها بعدم احترامه لبعض الضوابط القانونية المشار اليها سلفا.
ويرى البعض أن ربط حق الإضراب باستمرارية المرفق العام، هو تقييد لممارسة هذا الحق خاصة إذا مورس بناء على تأطير نقابي و أشعرت به الجهة التي يعنيها الأمر لتتخذ كافة الاحتياطات، بمعنى أن يكون قد مورس طبقا للقانون.
بعد كل ما قيل، يبقى من حقنا طرح عدة تساؤلات :
- لماذا يصر بعض مسؤولينا بكل سهولة وخارج أي تغطية قانونية على مباشرة الاقتطاع من أجرة الموظفين المضربين المتصرفين كمثال.
- لماذا تلتجأ الحكومة الحالية الى استغلال كل ما هو قانوني للإجهاز على حق من الحقوق المكفولة دستوريا،
- لماذا كل هذا الإصرار الحكومي على الضغط على الموظف المضرب للتنازل عن ممارسة حقه في الإضراب.
- لماذا يتم المس بالوضعية المالية واستغلال حساسيتها للموظف بصفة عامة ، خصوصا مع الهزالة التي تعرفها اصلا أجور الموظفين ، و يقينها بعدم رغبته أو بالأحرى قدرته على القيام بالمخاطرة المادية للإضراب. لكنها مع ذلك تتناسى انها بذلك تمس صمام أمانها، على اعتبار ان أي مساس بالموظف العمومي هو مساس بالعمود الفقري للإدارة ،
- لماذا يصر اذن بعض المسؤولين على اعتماد خطاب تغلب عليه العاطفة والتحدي الانفعالي، وحتى التهييج الشعبي على الموظف المضرب و محاولة تحميله مسؤولية انتكاسات التدبير العمومي، مما يهدد بالدخول مجددا في متاهة مواجهات عقيمة بين الطرفين . فالكل أصبح يهدد بالاستقالة اذا لم يتم تفعيل قرار الاقتطاع من أجور المضربين.
- لماذا يصر بعض المسؤولين المحسوبين على المتصرفين على اعتماد خطاب الازدواجية في التعامل مع قضايا المتصرف بصفة عامة ، رغم أن وضعية المتصرف الحالية تتطلب الوضوح في المواقف وضرورة تنقية البيت الداخلي قبل الحديت عن الاكراهات الخارجية، فكيف نستنكر اقدام الادارة على استفزاز المتصرف عبر الاقتطاع من أجرته مثلا، ونتناسى أنها تستعمل المتصرف نفسه في تنفيذ قراراتها المتسمة بالشطط.
- لماذا تنفرد بعض القطاعات الجهوية، بالتفعيل الحرفي دون غيرها لقرار الاقتطاع من أجور المتصرفين المضربين دون غيرهم من القطاعات الأخرى كدليل واضح على الشوفينية التي تحكم البعض اتجاه المتصرف، وتدفعه للنيل منه كلما سنحت الفرصة لذلك . وعلى الانتهازية التي تطبع تفكير البعض من متصرفينا التي تدفعهم الى التضحية بمطالب تنظيمهم المهني و النقابي ما دام يتعارض مع طموحهم الشخصي..
- أسئلة تبقى في نظري مشروعة، مادامت الحكومة الحالية قد تبنت سياسة النعامة التي تخبأ رأسها في التراب، اشارة منها على عدم اهتمامها بما يجري حولها.
حسن رزق الله
متصرف بقطاع التربية الوطنية