dimanche 16 juin 2013

ظاهرة تشغيل الخادمات القاصرات بالمغرب، عبودية بصيغة الحداثة

            
   


                     ظاهرة تشغيل الخادمات القاصرات بالمغرب، عبودية بصيغة الحداثة

     بقلم :/ حسن رزق الله
 كلما تم التطرق الى حادثة وفاة الخادمة فاطيم  بعد احراقها من قبل مشغلتها بمدينة اكادير ،  إلا ويتشعب الحديت حول حول ظاهرة تشغيل الخادمات القاصرات بالمغرب التي لازال يتخبط فيها وتسيء الى سمعته الحقوقية أمام المنتظم الدولي.  لهذه الغاية  ارتأيت ان أقدم وجهي نظري كغيري في  اطار النقاش المفتوح حول  تلك الظاهرة .                                                                                                                                                     في البداية ،  يجب القول أن الله تعالى قد اهتم بالإنسان أكثر من غيره من سائر المخلوقات الاخرى وكرمه في مختلف مراحل حياته،  وعلى هذا المنوال سار ت مختلف التشريعات،  عبر اهتمامها بحمايته منذ وجوده في رحم أمه الى مرحلة رشده، ضامنة له الحماية ولأمه الحامل من الأعمال الشاقة وعدم تحميلهما ما لا طاقة لهما به.  كما انصب هذا الاهتمام على عدة مستويات ومجالات من أبرزها الجانب الحقوقي الذي يهدف الى وضع القواعد القانونية الكفيلة بضمان العناية بالطفل وكفالة حقه في الحياة وعدم الاعتداء على حقوقه المدنية اضافة الى تنظيم الالتزامات المفروضة على الافراد والمؤسسات ازاء الاطفال.                                                                                                                     كما لا يجب ان ننسى بطبيعة الحال،  التنظيم التشريعي الدقيق لوضعية الاطفال الذين لم يكتب لهم العيش في وضعية طفولة طبيعية كغيرهم. وفي هذا الصدد لابد من الاشارة الى مجموعة من النصوص التي وضعها المشرع المغربي والمنبثقة أساسا من مصادقته على مختلف الاتفاقيات الدولية المهتمة بهذا الموضوع ، حيث سعى من وراء ذلك الى اعتبار أحقية القاصر في ان يكون طرفا في الالتزامات، وهو ما أكدته بعض نصوص قانون الالتزامات والعقود المغربي، وكذا مدونة التجارة وقانون الشغل، بالإضافة الى القانون الجنائي التي يروم الى توفير الحماية الزجرية في اجبار الافراد على احترام حقوق القاصرين.                                                                                                                           مما ذكر اذن، يظهر ان المغرب اليوم يزخر بمجموعة من النصوص القانونية المتعلقة بحماية القاصرين، والتي لا تحتاج سوى الى عملية تحيين حتى تتلاءم مع المستجدات الاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها البلاد،  عبر التأطير القانوني الجيد لمختلف المتدخلين في مجال الطفولة قصد الوصول الى تنشئة طفل يستطيع عند تحمل المسؤولية أن يعي الخدمات التي وفرها له المجتمع ليعمل من جانبه على خدمة هذا المجتمع.                                                                                                                                             غير أنه وللأسف رغم كل هذه المجهودات الرامية بالأساس الى تحريم تشغيل الأطفال بشكل قطعي، إلا ان ذلك لم يمنع من تنامي تلك الظاهرة اللانسانية بصورة مكتفة داخل حواضره خاصة في المدن الكبرى كالدار البيضاء، مراكش، اكادير… وفي ظروف صعبة مقابل أجور هزيلة لا تتلائم مع الأشغال الشاقة التي يؤديها الخادمات القاصرات بالمقابل.                                                                                                                                                 ومن جانبها، لم تتناول مدونة الشغل المغربية بشكل مباشر إشكالية العمل المنزلي ، حيث لا تتمتع عاملات المنازل بالكثير من الحقوق الأساسية التي ينالها العمال الآخرون، إذ بموجب مدونة الشغل، يحصل العمال الآخرون على حد أدنى للأجر وحد أقصى لساعات العمل ويوم عطلة أسبوعيا. لهذه الغاية حاولت الحكومة الحالية اعادة النظر في مشروع قانون لتنظيم العمل المنزلي، حيث صادقت على مشروع قانون بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعمال المنزليين،  يرمي إلى ضبط العلاقات التي تربط هذه الفئة من الأجراء بمشغليهم،  من أجل إقرار حماية اجتماعية لهم وتمتيعهم بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية،  كما يحظر عموما هذا المشروع تشغيل أطفال دون سن 15 عاما في المنازل، وينص على معاقبة أي شخص يشغل طفلا تحت 15 عاما في المنزل بغرامة تتراوح بين ألف و30 ألف درهم، وغرامة تتراوح بين 25 و30 ألفا درهم على الوسطاء، أو أي شخص يشغل طفلا بين 15 و18 عاما دون تصريح من ولي أمره. وينص مشروع القانون أيضا على ظروف عمل معينة لعاملات المنازل بشكل عام، وهي سارية بالنسبة إلى الأطفال فوق 15 عاما المصرح لهم قانونا بالعمل، من قبيل ألا يزاولوا أعمالا تشمل مخاطر زائدة أو تتعدى قدرات العاملة أو تؤثر على سلوك مقبول أخلاقيا لديها، فضلا عن ضرورة توفير عقد عمل وضمان إجازة أسبوعية لمدة 24 ساعة متواصلة وإجازة سنوية مدفوعة الأجر بمعدل يوم ونصف اليوم عن كل شهر عمل، بالإضافة إلى الراحة أثناء العطل الوطنية والدينية والتوقف عن العمل في المناسبات العائلية، والتعويض في حال الفصل من العمل بعد عام على الأقل من الخدمة.                                                                                                                                            غير ان زجر هذه الظاهرة لا يتوقف فقط على الجانب القانوني ، بقدر ما يستلزم علينا التفكير فيها اجتماعيا ، وخصوا أمام طبيعة المعاملة التي تتلقاها الخادمات القاصرات الللواتي كان ذنبهن الوحيد انهن وجدن في وضعية اقتصادية واجتماعية لم يكن لهن أي دخل فيها ، ذلك أن ما تعرضت له الخادمة فاطيم لم يكن بالشيء المفاجئ،  غير أنه اعاد تفجير المسكوت عنه،  وجعلنا نقف على مجموعة من المظاهر التي تحكم هذه الظاهرة و التي سبق ان اشارت اليها العديد من تقارير المنظمات الحقوقية ، غير انه يمكن ايجازها في ما يلي  :                                                                                                                                  -  تتعرض أغلب الخادمات القاصرات لمختلف أنواع أشكال الاضطهاد النفسي وخاصة الجسدي والرمزي الذي يخلف آثارا ومعاناة نفسية صعبة ومستمرة للخادمة القاصر ، ويزداد الأمر خطورة مع وجود ثقافة اجتماعية تشرعنه وتبرره،  فعلاوة على اعتبار العقاب الموجه للخادمة القاصر وسيلة "للتربية والتهذيب وضبط الأمور،  فهو من هذا المنظور الاجتماعي التقليدي السائد حق أيضا؛ يتم التعامل من خلاله مع الخادمة القاصر كراشدة،  مما يجعلها  نتيجة لذلك مرغمة على القبول بما تتلقاه وتقر بمشروعيته، حيث يتم استعمال الضرب بالأيادي وبالأحزمة والعصي والأحذية والأنابيب البلاستيكية "التيو" في أغلب الاحيان،  وفي حالات متطرفة اعتماد الكي واحراق الاطراف كحالة الخادمة فاطيم، علاوة على السب واستعمال مختلف الشتائم والتجويع والحرمان من الراحة" إذ لم يؤدين المهام على النحو المرضي لهم أو إذا كسرن شيئا، وأحيانا أخرى على حوادث خاصة بأطفال أصحاب البيت تحت وطأة التهديد. هذا دون أن ننسى تعرض بعضهن لأنواع التحرش والعنف الجنسي من الذكور سواء من المشغلين أنفسهم أو من أبنائهم أو حتى اقاربهم.                                                                                                                                                   - تنحدر أغلبية عاملات المنازل القاصرات، من مناطق قروية فقيرة،  ينتقلن للعمل في المدن الكبرى من قبيل الدار البيضاء والرباط ومراكش وطنجة وأكادير وفاس، لتأمين دخل ثابت يكون غالبا هزيلا 400 درهم في الحالة المعروضة.  حيث يكون ذوي الخادمات القاصرات من العائلات الكبيرة عددا، ويكون فيها الاباء اميون لا يقرؤون ولا يكتبون، مما يعرضهم في الغالب للنصب و تعريض حقوق بناتهم للضياع.                                                                                                                                    –يبدأ  أغلب الخادمات القاصرات  العمل بالبيوت في سن مبكرة جدا، منذ ثماني أو تسع سنوات، حيث  لم تتجاوز الخادمة فاطيم عند وفاتها سن الخامسة عشر بعد ان استقدمت للعمل منذ ان كان عمرها بين التامنة والتاسعة .                                                                                                                                               – رغم أن مدونة الشغل تفرض 44 ساعة حدا أقصى للعمل أسبوعيا في قطاع الصناعة،  ولأنه لا يوجد حد أقصى لساعات العمل بالنسبة إلى خادمات المنازل في القانون، تصبح القاصرات تحت رحمة أصحاب العمل، إذ تبدأ أغلب العاملات العمل في ساعة مبكرة من الصباح ولا ينتهي عملهن إلا في المساء دون فرصة كافية للاستراحة، إذ غالبا ما تكون الطفلة القاصر أول من يستيقظ في الصباح وآخر من يأوي للفراش ليلا. كما أن أغلب الخادمات يعملن سبعة أيام في الأسبوع دون أيام راحة،  إذ يمكن لبعضهن أن يعملن لمدة عامين دون الحصول على يوم راحة واحد، وهي على العموم مظاهر تتم معاينتها بشكل واضح.
         وعموما يمكن القول على أن مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة التي تتهدد الأطفال والقاصرين، مسؤولية جماعية تتقاسمها الدولة بمختلف مؤسساتها والمجتمع المدني والأسرة؛ وهي تبدأ من مكافحة الفقر وإحداث البنيات الاجتماعية والتربوية الأساسية في المدن والقرى والتأهيل الاقتصادي للأسر المعوزة التي تنتشر خاصة في البوادي خصوصا مع تعقد الحياة المعيشية في الآونة الأخيرة، بالإضافة الى ضرورة العمل على توعية تلك الأسر، على ضرورة الاهتمام بالرأسمال الحقيقي لها والمتمثل في التركيز على رعاية ابنائهم وتعليمهم، كاستثمار حقيقي يستحق التضحية، عوض دفعهم الى امتهان أشغال منزلية شاقة في الغالب وفي ظروف غير ملائمة ، تؤثر بالأساس على نموهم الفيسيولوجي والنفسي في انتظار أجور هزيلة في نهاية الشهر، وبخصوص هذه النقطة يجب التذكير على ان الخادمات القاصرات لا يحصلن إلا على قسط قليل من التعليم، إذ أن أغلبهن لم يرتدن المدرسة إلا عاما أو عامين قبل الانتقال إلى العمل،  هذا الى جانب وجود فئة منهن لم تطأ قدماهن المدرسة أصلا. . ولا تسمح لهن الاسر المشغلة في غالب الأحيان، بارتياد المدارس، رغم توسلات البعض من الخادمات او لذويهم للسماح لهن باستكمال تعليمهن.                                                                               كما أن مواجهتها أيضا، تتطلب تفعيل العقوبات الزجرية في القانون الجنائي المغربي عبر مجموعة من الضوابط الصارمة،  وبلورة جهود فعالة من خلال إحداث مراكز لمساعدة الضحايا من الخادمات القاصرات على تجاوز معاناتهم وعلى الاندماج في المجتمع،  وبلورة برامج للتوعية والتحسيس بمخاطر الظاهرة بمختلف أبعادها النفسية والتربوية والاجتماعية وتبنيها بشكل فعال عبر اخراج قانون حقيقي بشأن خادمات البيوت القاصرات،  يتلاءم والالتزام باتفاقيات منظمة العمل الدولية الخاصة بظروف العمل اللائقة لخادمات المنازل،  علاوة على فرض عقوبات صارمة على السماسرة الذين يستقدمون للعمل أطفالا تحت 15 سنة ، وملاحقة المسؤولين عن العنف ضد عاملات البيوت القاصرات بموجب القانون الجنائي ومعاقبتهم بشكل يحقق الردع الحقيقي، كما انها  مسؤولية تتشارك فيها عدة جهات في مقدمتها وزارة التشغيل والتكوين المهني عبر تنفيذ آليات لتحسين مراقبة تشغيل الخادمات، ووزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية من خلال توفير الملاجئ الطبية والاجتماعية الكافية لعاملات المنازل، ووزارة العدل والحريات عبر الضبط القانوني والزجري للظاهرة، اذ لايمكن الحديث عن أي اقلاع حقيقي للحقوق والحريات بالمغرب، مادامت مثل هذه الظواهر تنخر مجتمعنا.
                                              حسن رزق الله : باحث في القانون العام